الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على الصبي بعد بلوغه ردّ المظالم إلى أهلها فورًا أم على التراخي؟

السؤال

هل يجب التصدّق لردّ المظالم لأشخاص لا أعرفهم -سرقت منهم، أو أتلفت ممتلكاتهم قبل بلوغي- على الفور أو على التراخي؟ فقد قمت بإتلاف بعض الممتلكات التي لا أعرف ثمنها بالتحديد، وأنا لا أعمل؛ لأنني ما زلت أدرس، ولكن لديّ ما يكفي لدفع ثمن تلك الممتلكات، فهل آثم إن أخّرت التصدّق بثمنها، بما أن ذلك لا يعدّ تسويفًا للتوبة؛ لأنني قمت بها قبل البلوغ، ولا آثم على فعلتي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبداية: ننبه على أن الصغر لا يمنع من تعلّق الحقوق المالية بذمّة الصبي قبل بلوغه، فإذا أتلف شيئًا؛ فعليه في ماله ضمان قيمته، قال الماوردي في «الحاوي الكبير»: حقوق الأموال لا تسقط بعدم التكليف، كقيم ‌المتلفات. اهـ. وجاء في الموسوعة الفقهية: يتعلق بذمّة الصغير ماليًّا ما يلي: قيمة المتلفات، والنفقة الواجبة عليه .. اهـ.

وكذا يلزمه ضمان السرقة من ماله، فإذا لم يفعل، ولم يؤدِّ عنه وليّه؛ فإنه يجب على الصبي ذلك بعد بلوغه، جاء في «فتاوى النووي»: مسألة: إِذا سرق الصبي شيئًا، وسلمه إِلى أبيه، فأتلفه أبوه ومات، فبلغ الصبيُ؛ وليس لأبيه تَرِكَةٌ يؤخذ منها بدلُ المسروق، فهل يجب ذلك في مال الصبي؟

الجواب: نعم؛ يجب في مال الابن؛ لأنه من أهل ‌الضمان في غرامة ‌المتلفات. اهـ.

وأما مسألة: هل يجب ذلك على الفور أم على التراخي؟

فالجواب: أن ذلك يجب على الفور، عند القدرة عليه؛ فإن حكم رد المظالم إلى أهلها، هو حكم التوبة ذاتها، وهي واجبة على الفور، قال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة: والتوبة فريضة من كل ذنب، من غير إصرار. اهـ.

وقال النفراوي في شرحه: «الفواكه الدواني»: (والتوبة فريضة) ‌على ‌الفور، إجماعًا. اهـ.

وقال النووي في كتاب: الجنائز من (منهاج الطالبين): ليكثر ذكر الموت، ويستعد بالتوبة، ورد المظالم. اهـ.

وقال ابن قاضي شُهْبَة في شرحه: «بداية المحتاج»: (ويستعد بالتوبة، ‌وردِّ ‌المظالم) لأنه قد يأتيه بغتة، وقضيته: أن هذا مستحب؛ لأنه عطفه على مستحب، وهو ما نقله ابن الملقن عن تصريح صاحب "البيان"، وأقرّه، لكن الإسنوي، وغيره قالوا: إن ذلك حتم، وهو واضح؛ لأن التوبة مما تجب منه واجبةٌ، ‌على ‌الفور، وكذلك ‌ردّ ‌المظالم الممكن ردّها. اهـ.

وقال الخطيب الشربيني في «مغني المحتاج»: المشهور وجوبهما؛ لأن التوبة مما تجب منه واجبة على الفور، وكذا رد المظالم الممكن ردها. اهـ.

وقال ابن بَلْبَان الحنبلي في «مختصر الإفادات»: اعلم أن التوبة فريضة من كل ذنب ‌على ‌الفور ... وفرض على كل إنسان أن يجتهد غاية الاجتهاد في ‌رد ‌المظالم إلى أهلها قلّت أو جلّت، فإن توبته منها لا تصحّ إلا بردّها، ولو كانت مثقال حبة من خردل.. اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى: 66756.

وفي حال كان صاحب المظلمة مجهولًا، فالعمل قد أشار إليه النفراوي في «الفواكه الدواني» بقوله: إن عجز -يعني عن رد المظالم- لفقده، أو لغيبة صاحبها، أو موته، يبرأ بتصدقه به عنه، إن أمكنه، وإلا فعليه بتكثير حسناته، والتضرّع إليه أن يرضي عنه خصمه. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى: 443431.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني