الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يجب على الابن إعطاء الأب مبلغًا للتجارة؟

السؤال

أعمل في الخارج منذ فترة وجيزة، وأنا ميسور الحال -والحمد لله رب العالمين-، وطلب مني أبي مبلغًا من المال ليتاجر به، ولم أعترض على ذلك، ولكني طلبت منه أن يبيّن لي حقّي في تلك التجارة، ومتى سيردّ لي رأس مالي، خصوصًا أنه أخذ مني مبلغًا من المال من قبل، ولم يردّه، فأخبرني أنه ليس صغيرًا، وأنه يعرف كل شيء، وما إلى ذلك.
وتحت ضغط منه، استجبت له، وأخبرته أني سأحوّل له المال، ولكني عرفت الآن أن المشروع الذي كان ينوي أن يتاجر به لم يعد موجودًا، وأنه يبحث عن فرصة تجارة أخرى، وأنا لا أريد تلك التجارة، ولا أضمن مصير مالي، ولكني في نفس الوقت أخشى غضبَ أبي، فماذا أفعل؟ وكيف أتصرّف؟ وهل أعتذر عن تحويل المال أم يجب عليّ أن أرسله له؟ وكيف أتصرّف في حال غضبه مني؟ وأبي ميسور الحال، ولديّ إخوة كثر، وأشعر أن أبي يستكثر عليّ مالي. جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام أبوك ميسور الحال غير محتاج؛ فلا يجب عليك أن تعطيه ما يريد من مالك، ولا حقّ له في شيء من مالك عند جماهير العلماء، قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملّكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها -صغيرًا كان الولد أو كبيرًا- بشرطين:

أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضرّ به، ولا يأخذ شيئًا تعلقت به حاجته.

الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده، فيعطيه الآخر ...

وقال أبو حنيفة، ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من مال ولده، إلا بقدر حاجته. اهـ.

وكذا لا يجب عليك أن تعطيه مالك ليتاجر لك به؛ ما دمت تخشى على مالك.

لكن إذا لم يكن عليك ضرر في إعطائه بعض مالك على سبيل الهبة، والتبرّع، أو تعطيه بعض مالك؛ ليضارب لك به؛ فالأولى أن تعطيه؛ استرضاءً له، وتخلّصًا من غضبه، فقد جاء في الفروق للقرافي: قِيلَ لِمَالِكٍ ... يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ، فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا، قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك، فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ؛ سَبَّتْنِي، وَدَعَتْ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا، وَتَخلّص مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ، أَيْ: وَتخلّص مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. اهـ.

وننبهك إلى أنّ المضاربة لها شروط في الشرع، منها: أن تكون على نسبة معلومة من الربح -كالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو غيره-، وألا يشترط ضمان رأس المال، وأنّ الخسارة على صاحب المال وحده، وانظر ضوابط المضاربة الصحيحة في الفتوى: 206356.

وأمّا إن كان عليك ضرر في إعطائه مالك على سبيل الهبة، أو المضاربة؛ فاعتذر له برفق، وأدب.

واستعمل الحكمة، والمداراة؛ حتى تتخلّص من غضبه.

واحرص على بِرّه، والإحسان إليه، ما استطعت.

وأخلِصْ النية لله تعالى، واحتسب الأجر عند الله تعالى.

وأبشِرْ بعظيم الأجر، وجزيل الثواب؛ فإنّ بِرّ الوالدين من أفضل الأعمال التي يحبّها الله، والصبر على ذلك من أعظم أسباب رضوان الله، ونيل معيّته، وتوفيقه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني