الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل للمرأة أن تأمر الرجال الأجانب بالمعروف؟ وما حكم دراسة الهندسة للوظيفة؟

السؤال

جزاكم الله خيرًا على مجهوداتكم.
أنا فتاة في العشرينات من عمري، غير متزوجة، أدرس في مدرسة للهندسة، وأحس أني غير مرتاحة في دراستي، فيمكنني أن أفهم كثيرًا مما أدرسه -ولله الحمد-، ولكني أحسّ أني أكذب على نفسي، وأني لا أدرس لطلب العلم، بل أدرس لأحصل على وظيفة، وأمّي تنتظر مني هذا الأمر، وتقول لي ما معناه أن أعوضها عن تعبها، ولكني أريد أن أقرّ في البيت، وأكون مسلمة حقيقية، أقوم بما يجعلني قريبة من الله سبحانه وتعالى، أحلم أن أكون زوجة صالحة، وأمًّا صالحة، ولا أضطرّ للخروج للعمل خارج البيت؛ لأني لا أرتاح عندما أمر أمام غير محارمي، وأحس بالإثم.
كما أني أمقت الغيبة مقتًا شديدًا، وإذا كنت بين أقاربي أحاول أن أنهى عن هذا السوء، وأحيانًا لا ينطلق لساني، فأرجع إلى الشخص الذي اغتاب، وأحاول أن أنصحه، أو أدافع عن الشخص الذي اغتابه، وهكذا.
وذات يوم صرخ عليّ أحد أقاربي، وقال لي: أغلقي أذنيك إذا كنت لا تريدين سماعي، أو أغلقي عليك غرفتك، وهذا التصرف من الأقربين، فماذا أنتظر من الأبعدين الذين لا أعرف طباعهم!؟
وقد كنت اليوم في الحافلة عائدة من المدرسة، وإذا بفتاة تخطئ في ركوبها للحافلة التي أنا بها، وعندما أدركت خطأها نزلت، لكن سائق الحافلة تركها حتى نزلت، وقال ما معناه بغلظة: إن الإنسان لا ينتبه، فقلت في نفسي: إن هذه ليست غيبة؛ لأنه يمكن أن يقول هذا الكلام في وجهها، ولكنه تابع كلامه، وقال صفة ما لم أسمعها، لكني أحسست أنها من الغيبة، وهو رجل من غير المحارم، فماذا عساي أن أقول، والحافلة بها رجال كثر، ولم يتحدث معه رجل قط؟ وأنا أكتم الألم في قلبي؛ حتى إني بكيت؛ لأني لا أريد حمل وزر شخص ما.
وهذا الأمر يتكرر، فذات يوم وأنا في الحافلة أيضًا كان هناك شخص أصم، كان مسجونًا لسنين كثيرة، وكان يحكي أن والديه توفيا وهو في السجن، وبدأ يدعو بالسوء على شخص ممن أتاهم الله سبحانه وتعالى منصبًا في هذه الحياة الدنيا، ولعله فعل ذلك بسبب ما مرّ به من معاناة، ولكن هذا في نهاية الأمر غيبة، فماذا كان عساي أن أصنع حينئذ؟ فقد كان هناك رجال كثر معي في الحافلة، والسائق يقول له: لا تزعج الناس، ومن الراكبين من يقول: دعه يشكو، وهناك مواقف كثيرة أخرى، كانتقاد الطلبة للأساتذة، وغيرها، فماذا أصنع، وأنا لا أريد التحدّث مع غير المحارم؟ وأحيانًا تكون المتحدثة فتاة، ولكن من الواضح جدًّا أنها لن تقبل نصحي لها، فهل انصرافي من المجلس كافٍ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على سعيك في سبيل الاستقامة على طاعة الله سبحانه، والتقرّب إليه بالأعمال الصالحة، وأن تكوني زوجة صالحة، ونسأله -تعالى- أن يحقق لك ذلك.

ونوصيك بكثرة الدعاء؛ فالخير بيده سبحانه، وهو قد أمر عباده بسؤاله حاجاتهم، ووعدهم بالإجابة، قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ {غافر:60}.

ودراسة العلوم الأكاديمية -كالطب، والهندسة، ونحوها- لا بأس بأن يكون مقصد المسلم منها الحصول على وظيفة.

وإذا قصد مع ذلك نفع الأمة؛ فإنه يؤجر على ذلك؛ لأن العمل المباح يصير بالنية الصالحة قربة، يؤجر عليها المسلم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفي بضع أحدكم صدقة". قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر. قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر».

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات. اهـ.

وقرار المرأة في بيتها أفضل، ولكن لا مانع شرعًا من خروجها لحاجتها -من العمل، أو غيره-، إذا انضبطت بالضوابط الشرعية -كالستر، والحجاب-، وإذن زوجها، إن كانت ذات زوج، ونحو ذلك من الضوابط، وراجعي للمزيد فتوانا: 105835.

ومهما أمكنك أن تحققي رغبة أمّك في إكمالك الدراسة، وحصولك على وظيفة؛ فافعلي.

والمرأة كالرجل تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{التوبة:71}؛ فهي تنكر على المرأة، وعلى الرجل، وعلى الأجنبي، وعلى المحرم، ولكن تلتزم الضوابط الشرعية في ذلك، ومنها: كون الكلام مع الأجنبي بقدر الحاجة، ومن غير لين في القول، ونحو ذلك.

ومما يجدر التنبيه عليه هنا هو أنه مع شيوع المنكرات، وانتشارها؛ فلا يلزم المسلم إذا خرج لأماكن العامة أن ينكر كل ما يرى من منكر، قال الشيخ ابن عثيمين في اللقاء الشهري: لا يمكن للإنسان أن ينكر كلما يشاهده في السوق مع كثرة المنكرات، لو أنه فعل ذلك ما خطا خطوةً أو خطوتين؛ لأنه سيجد من حلق لحيته، وسيجد من يشرب الدخان، وسيجد امرأة متبرجة، وسيجد رجلًا أسبل ثيابه، يقف مع كل واحد؟!

مشكلة، هذا لا يجب، وربما يكون أضحوكةً للناس إذا فعل هذا، لكن من الممكن من حين لآخر أن يمسك رجلًا يرى أنه أقرب للقبول، ويسرّ إليه بأن هذا العمل الذي أنت تعمله حرام ولا يجوز، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]. اهـ.

فهوّني على نفسك، ولا داعي لكل هذا القلق الذي قد تكون عواقبه وخيمة.

ونوصيك بالحرص على صحبة الصالحات من النساء -سواء كنّ في مكان الدراسة، أم في غيرها-؛ ليكنّ عونًا لك على الاستقامة، والبر، والتقوى.

روى ابن أبي الدنيا في كتاب: "الإخوان" عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم؛ فإنهم زين في الرخاء، وعدة في البلاء.

وهذا مطلوب من المرأة، كما أنه مطلوب من الرجل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني