الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قيام العامي بالدعوة إلى الله.. رؤية شرعية

السؤال

فضيلة الشيخ: وفقكم الله. في المنطقة التي أسكن فيها، كثير من عوام الناس يدعو غيره إلى الله، فيأتي كثير من العوام من عائلتي والجيران والأصدقاء، والجميع يتكلم بالدين، يدعو إلى الله نقلاً عما يسمعونه من العلماء والمشايخ في العقيدة والتوحيد وتفسير القرآن والأحاديث والأصول والفروع والسيرة والفتوى، ومخلتف العلوم الشرعية. ولله الحمد.
فإذا شعرنا أن هذا الشخص العامي المتكلم واثق من صحة ما يقول، فإننا نسمع له، ونأخذ منه العلم، وإذا شعرنا أنه غير متأكد من صحة ما يقول، أو شعرنا أن كلامه فيه خطأ؛ فإننا نسأل أهل العلم على صحة كلامه.
فهل هذه طريقة صحيحة في التعامل مع العامي الذي يدعو إلى الله؟ مع العلم أن هذا العامي قد يكون عنده ذنوب أو أخلاق سيئة.
ملاحظة:
العلماء ينصحون الناس أن يحملوا هم الدعوة إلى الله، فإذا أتاني شخص يدعوني إلى الله ما الضابط في تصديق ما يقول، والوثوق به، ونقله عنه؛ لأنه شيخنا هذا أمر عجيب، معقول أسمع من جارنا يقول قال ابن تيمية كذا وكذا، وقال الطبري كذا وكذا. ومسألة الاستواء على العرش كذا وكذا، وهذا الحديث معناه كذا، والجمع بين هاتين الآيتين كذا وكذا.
ثم أسمعه أنا، وأحفظ هذه الأقوال من جاري أو ابن عمي، وأبدأ أحدث بها الناس، والناس تحدث بها.
أهكذا أصبح العلم!
لكن لا نستطيع أن نقول للعوام لا تدعوا إلى الله، نحن بحاجة للدعوة إلى الله، وأن ندعو أبناءنا، والناس تتناقل العلم.
فكيف الضابط؟ كيف الأمر؟ كيف نتناقل الدين بيننا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كل مسلم مطالب بأن يدعو إلى الله جل وعلا، بأن يذكر الناس ويبلغهم ما يعلمه من أمور الدين، وليست الدعوة إلى مثل ذلك خاصة بالعلماء، أو المتخصصين في العلم الشرعي.

لكن لا يجوز للشخص أن يتصدى للخوض فيما لا يحسنه، وأن يتكلم فيما لا يعلمه، بحجة أن الدعوة إلى الله مشروعة للجميع! فالخوض في الشرع بلا علم من المحرمات.

قال ابن باز: إذا كان عنده علم بالقرآن والسنة فإنه يدعو إلى الله، ويعلم الناس دينهم، ويرشدهم إلى توحيد الله وعبادته، ويعلمهم ما أوجب الله عليهم، ويحذرهم ما حرم الله عليهم، ويرغب ويرهب كما شرع الله، وإذا كان ما عنده علم فليس له الكلام فيما لا يعلم، لكن الإنسان إذا كان عنده علم في بعض الأشياء دعا إليها، مثلما يدعو المؤمن إخوانه إلى الصلاة، وإن كان عاميا؛ لأن الصلاة معلومة، يدعوهم إلى الصلاة والمحافظة عليها في الجماعة، يدعوهم إلى بر الوالدين، كذلك يحذر من الزنا.. من الريبة.. من الربا.. من عقوق الوالدين.. من شرب الخمر، هذه أمور معلومة، لكن الأشياء التي قد تخفى تحتاج إلى علم فلا يتكلم فيها إلا صاحب العلم. لكن ليس للداعي إلى الله أن يتكلم فيما لا يعلم، بل يجب أن يتحرى ما دل عليه القرآن، والسنة؛ حتى يكون في دعوته على بصيرة؛ كما قال الله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ[يوسف:108]، والله يقول جل وعلا: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[الأعراف:33]، فجعل القول عليه بغير علم فوق الشرك لعظم خطره، وأخبر سبحانه أن الشيطان يأمر بذلك فقال عن الشيطان: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[البقرة:169]. اهـ. من فتاوى نور على الدرب.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: يجب على المسلم أن يبلغ ما لديه من العلم، قَلَّ ذلك أو كَثُر، لمن لم يعلمه، من دون تحديد بوقت أو قدر من العلم سوى الحاجة إلى بيان ما عنده، وتبليغه، وقد يتعين عليه إذا لم يوجد من يقوم بالبلاغ والبيان غيره؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعملا بما رواه أحمد والبخاري والترمذي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بلغوا عني ولو آية » . . . الحديث، وما رواه أحمد والترمذي وابن حبان، عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضر الله امْرَأً سمع منا شيئا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع » ، وقد روي هذا من طرق أخرى، بألفاظ متعددة. وحذرا مما توعد الله به كاتم العلم بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} ويحرم عليه أن يقول ما لا يعلم، أو يخوض فيما ليس له به علم؛ لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وقوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} .اهـ.

وأما موقفك مما ينقله من لم يعرف بالاشتغال بالعلم الشرعي: فحري بك ألا تركن إلى قوله، وألا تسلم لنقله، بل عليك أن تتثبت منه وتسائله عن مصدر ما يذكره، أو ترجع فتبحث وتسأل غيره حتى تتأكد من صحة المعلومات.

أما من عُرف بالاشتغال بالعلم تعلما وتدريسا وإفتاء: فلا تثريب عليك في الاعتماد والثقة بما ينقله من معلومات، وانظر في هذا الفتويين: 344698 - 215242.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني