الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام النيابة عن المريض في الحج، وتحديد من يحق له أن يحل مكانه

السؤال

فاز أبي بقرعة الحج لهذا العام، وأنا المرافق له، ولكنه الآن عاجز لا يستطيع الحركة، ولا الكلام، وتناول الطعام يتم عن طريق أنبوب بالمعدة، وبعض إخوتي يرغبون في أخذ مقعده بالحج، فهل يجوز أخذ مقعده لزوجتي؟ علما بأنني نويت أن أعطي مالا لشخص آخر يقوم بالحج نيابة عنه دون أخذ موافقة بقية الإخوة، لوجود خلاف على من يأخذ المقعد، علما بأن زوجتي هي أكثر من قام بالاهتمام به ورعايته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوك لم يحج حجة الفرض وقد عجز عن السفر للحج بسبب مرض لا يرجى برؤه؛ وكان عنده عقل وإدراك، فالراجح عندنا أنّه يجب عليه أن ينيب من يحج عنه من بلده.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وجملة ذلك أن من وجدت فيه شرائط وجوب الحج، وكان عاجزا عنه لمانع مأيوس من زواله، كزمانة، أو مرض لا يرجى زواله، أو كان نضو الخلق، لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة، والشيخ الفاني، ومن كان مثله متى وجد من ينوب عنه في الحج، ومالاً يستنيبه به، لزمه ذلك، وبهذا قال أبو حنيفة، والشافعي. انتهى.
وقال: ويستناب من يحج عنه من حيث وجب عليه، إما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه، وبهذا قال الحسن، وإسحاق، ومالك في النذر. انتهى.

وراجع الفتوى: 128443.
وأمّا إذا كان أبوك فاقد الإدراك: فإنه ينظر في حاله، فإن كان فقدان الإدراك مما يرجى زواله فلا تصح الإنابة عنه في حج الفرض، بل ينتظر ما دام يرجى زوال عدم إدراكه حتى يدرك فينيب عن نفسه، لأن الحي لا تصح الإنابة عنه في حج الفرض إلا بإذنه، ما دام ذلك مرجو الإمكان.

وإن كان فقد إدراكه الحاصل له مما لا يرجى زواله - ويعرف ذلك بشهادة مسلمين من أهل الخبرة في هذا المجال - فإنه تصح الإنابة عنه من غير إذن منه قياسا على الميت، لتعذر حصول الإذن منه.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه، فرضا كان أو تطوعا؛ لأنها عبادة تدخلها النيابة، فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه، كالزكاة، فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن، واجبا كان أو تطوعا. انتهى.

وقال النووي في المجموع: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا غَيْرَ مَأْيُوسٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَلَوْ اسْتَنَابَ وَمَاتَ لَا يُجْزِئُهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ... إلى أن قال: يُعْرَفُ كَوْنُ الْمَرِيضِ مَأْيُوسًا مِنْهُ بِقَوْلِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الخبرة... ثم قال: الْجُنُونُ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوَالِهِ، قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ جُنَّ لَا يُسْتَنَابُ عَنْهُ، فَإِذَا مَاتَ حَجَّ عَنْهُ، وَإِنْ اسْتَنَابَ وَحَجَّ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَّاتِهِ ثُمَّ أَفَاقَ لَزِمَهُ الْحَجُّ، قَوْلًا وَاحِدًا، كَمَا سَبَقَ فِي الْمَرِيضِ إذَا شُفِيَ... ثم قال: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ ‌الْمَرِيضَ ‌غَيْرَ ‌الْمَأْيُوسِ ‌مِنْهُ ‌لَا ‌يَصِحُّ اسْتِنَابَتُهُ فِي الْحَجِّ وَكَذَا الْمَجْنُونُ لَا يَجُوزُ اسْتِنَابَتُهُ فِي حَجِّ الْفَرْضِ عِنْدَنَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدْ وَدَاوُد... انتهى.
وأما إن كان أبوك قد حج حجة الفرض، أو كان لم يحج، لكن ليست عنده القدرة المالية، فلا تجب الإنابة عنه في الحج، وعليكم أن تحاولوا استرداد المبلغ الذي دفعه للحصول عليه إن أمكن ذلك، ولا يعطى مكانه للغير تبرعا، لكونه في مرض لا يمكن التبرع عنه بشيء من ماله.

وبخصوص تحديد من له الحق في أن يحل محله في تلك الموافقة؛ إذا اختلف الأبناء وكان كل منهم يريد أن يحل محله وسيدفع عوض الموافقة، فيقرع بينهم، ومن خرجت القرعة باسمه رد المبلغ الذي دفعه الأب عوضا عن الموافقة إلى مال الأب، وأخذ الموافقة وحل محل الأب فيها، ومبنى ذلك كله على وجود إذن من الجهات المسؤولة عن الموافقة بإمكان أن يحل أحد مكان أحد مجانا، أو بعوض، وللفائدة راجع الفتوى: 168773.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني