الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محاسبة الأنبياء والشهداء

السؤال

هل يحاسب الرسول صلى الله عليه وسلم وهل يحاسب الشهيد؟ جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففي محاسبة الله تعالى للأنبياء والرسل خلاف بين العلماء، وسبب الخلاف هو ماجاء في قوله تعالى: [فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين](لأعراف:6) فإن هذه الآية تدل على أن الله تعالى يحاسب جميع البشر ، الرسل والمرسل إليهم وهذا هو ما يذهب إليه بعض العلماء،

قال الرازي في إثبات أن السؤال يقع على الأنبياء والأمم أيضاً: الذي أرسل إليهم هم الأمة، والمرسلون هم الرسل فبين تعالى أنه يسأل هذين الفريقين قال: ونظير هذه الآية قوله : [فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ](البقرة: 134)

ويذكر ابن كثير أن الله تعالى يسأل الأنبياء عن تبليغ أقوامهم رسالة الله تعالى فقال: فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل عن إبلاغ رسالاته. ثم نقل عن ابن عباس في تفسير الآية: أن الله يسأل الرسل عما بلغوا .ويذكر الشوكاني في معنى الآية: [وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين] أن السؤال للأنبياء الذين بعثهم الله : أي نسألهم عما أجاب به أممهم عليهم،ومن أطاع منهم ومن عصى.

وقال السفاريني عن مسألة حسابهم: والجواب أنه لاحساب على الأنبياء عليهم السلام على سبيل المناقشة والتقريع.

ويقول النسفي فيما ينقله عنه السفاريني: الأنبياء لا حساب عليهم، وكذلك أطفال المؤمنين، وكذلك العشرة المبشرون بالجنة، هذا في حساب المناقشة، وعموم الأيات الكريمة مخصوص بأحاديث من يدخل الجنة بغيرحساب. أ.هـ . وعلى القول بأنهم يسألون ـ ومعلوم أنه لا ذنوب لهم ليحاسبوا عليهاـ فما المقصود من وقوع السؤال عليهم.

أجاب الرازي عن ذلك بقوله: فإن قيل فما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنه لم يصدر عنهم تقصير البتة ؟ قلنا: لأنهم إذا أثبتوا أنه لم يصدر عنهم تقصير البتة، التحق التقصير بكليته بالأمة، فيتضاعف إكرام الله في حق الرسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التقصير، ويتضاعف أسباب الخزي والإهانة في حق الكفار لما ثبت أن كل التقصير كان منهم .أهـ

فالذي يظهر أن إطلاق القول بأن الأنبياء يسألون، أن المقصود به مساء لتهم عن تبلغيهم الدعوة إلى أقوامهم، وهو مجرد مساءلة لزيادة إقامة الحجة على العصاة، وليس مساءلة مناقشة وتقريع كما ظهر مما سبق، وأما إطلاق القول بأنهم لا يسألون، فالمرادبه ما تقدم من أنهم لا يسألون سؤال مناقشة واستظهار ، وإذا كان قد ثبت أن طائفة من أتباع الانبياء يدخلون الجنة بغير حساب فكيف بالأنبياء الذين لهم المزية الأولى في التكريم ؟

قال الشيخ الشنقيطي في كتابه: (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب): وسؤال الله للرسل (ماذا أجبتم ) لتوبيخ الذين كذبوهم، كسؤال المؤودة بأي ذنب قتلت لتوبيخ قاتلها.أ.هـ

باختصار من كتاب الحياة الآخرة، د/ غالب عواجي.

أما الشهيد فقد وردت أحاديث كثيرة في فضله ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : عندما سئل: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهداء؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة. رواه النسائي . وجاء في جامع الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب قال: قال صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله ست خصال : يغفرله في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه.

فهذه الأحاديث وإن دلت على أن الشهيد لا يفتن في قبره وأنه يغفر له وأنه يأمن من الفزع الأكبر، غير أنها لاتدل على أن الشهيد لا يحاسب ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين ، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك.

ففيه دلاله على أن الشهيد على الرغم من علو درجته وعظيم منزلته إلا أنه لا يغفر له الدين أي أنه يحاسب عليه ولكن الحساب كما قال الله عن المؤمنين الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم: [فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً] (الانشقاق:8) وهو العرض

قال النبي صلى الله عليه وسلم: من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة أليس يقول الله تعالى: فسوف يحاسب حساباً يسيراً، قال ذلك العرض. رواه البخاري عن عائشة، قال ابن حجر : الحساب المذكور في الآية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة. انتهى،

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني