الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنبياء الله تعالى هم أكمل الناس خلقا وخلقا

السؤال

نعلم أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منزهون عن العيوب سواء الخَلقية أو الخُلقية، ونحن نقرأ قوله تعالى على لسان فرعون: (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)، والآية فيها إشارة إلى أن سيدنا موسى عليه السلام كان لديه مشكلة في النطق, فكيف نوفق بين هذا وأن الأنبياء والرسل لا عيوب فيهم، وأيضا سيدنا أيوب عليه السلام مرض مرضه الذي عزله عن الناس، وكما أعلم أن الناس كانوا ينفرون من مرضه، فكيف ذلك والأنبياء لا يوجد فيهم ما ينفّر الناس منهم, عليهم جميعا وعلى رسولنا الصلاة والسلام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن أنبياء الله تعالى هم أفضل الناس وأشرفهم وأكملهم خلقا وخلقا... وأصدقهم لهجة خصهم الله تعالى بفضائل لا يلحقهم فيها أحد، كما قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {الحج:75}، وقال تعالى: وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ {ص:47}، وقد عصمهم الله تعالى من كبائر الذنوب قطعاً، ومن صغائرها على قول بعض أهل العلم.

وهم بطبيعتهم بشر يجري عليهم من الأعراض البشرية ما يجري على غيرهم كالجوع والعطش والمرض العادي الذي لا يؤدي إلى نقص أو تنفير منهم ومن دعوتهم.

والآية التي ذكر السائل عن موسى هي من قول خصمه اللدود فرعون عليه لعنة الله، قال أهل التفسير بقصد فرعون بالمهين أن موسى لا ملك له ولا سلطان ويعرض بنفسه أنه هو صاحب ذلك وبقوله: ولا يكاد يبين، ما كان عليه موسى في بداية أمره عندما تناول جمرة ووضعها في فمه وهو صغير فأصابت لسانه بعقدة أو ثقل وقد سأل موسى ربه أن يزيل عنه هذه العقدة فاستجاب له، كما قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي.... {طه}، فاستجاب الله تعالى دعاءه بقوله: قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى {طه:36}.

قال ابن كثير في التفسير: وقوله (ولا يكاد يبين) افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قوله (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى).

وأما ما أصاب أيوب من الضر في بدنه فلم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القصاص والأخباريون الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب، ونحن نكتفي في مثل هذه الأمور بما جاء في نصوص الوحي أو ما صح به النقل.

وفي قصة أيوب يقول الله تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ {الأنبياء:83-84}، وفي الآية الأخرى: وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ {ص:41-42-43}، وفي تفسير التحرير والتنوير يقول العلامة ابن عاشور: ولأهل القصص في قصة أيوب مبالغات لا تليق بمقام النبوة.

ووقوع الأمراض والإصابات في الأنبياء من حكمه التسلي لأتباعهم، كما قال تعالى في قصة أيوب: (وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)، (وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ)، وعلمك أن الأمراض التي حدثت للأنبياء كانت منفرة ليس من طريق نصوص الوحي ولا من النقول الصحيحة، وإنما هو من القصص والإسرائيليات التي لا تستند إلى دليل علمي ولهذا فلا يلتفت إليها، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 48422، والفتوى رقم: 54814.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني