الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دفاع عن أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله عنه

السؤال

قرأت في الفتوى رقم 31412 تبريركم لموقف سيدنا عمر حين امتنع عن تنفيذ أمر النبي وبصراحة تبريركم ليس مقنعا إذ ما دام الرسول قد أمر بأمر يجب تنفيذه على الفور ولا مجال للنية الحسنة حينها عملا بنص الآية: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" فأرجو منكم رداً يثلج الصدر ويذهب الشبهات؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - هو أحد الخلفاء الأربعة الذين ورد فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وصححه، وورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. رواه أحمد والترمذي وحسنه.

واعلم أن الخلاف قد وقع بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته في فهم المراد من أمره، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم.

قال الحافظ في الفتح: قال السهيلي: وغيره في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه.

ورجح كثير من أهل العلم رأي الطائفة التي بادرت إلى الصلاة قبل وصول بني قريظة، قال ابن القيم في الهدي ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين امتثال الأمر في الإسراع وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت، ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى.

وسبب امتناع عمر رضي الله عنه هو ومن معه من الصحابة من إيتاء النبي صلى الله عليه وسلم بما طلب أنهم أشفقوا عليه صلى الله عليه وسلم، وأنهم فهموا أن الأمر لا يعدو كونه إرشاداً أو نصحاً، وليس أمر وجوب، قال القرطبي رحمه الله: فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ. وقوله تعالى: تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ. ولهذا قال عمر: حسبنا كتاب الله. انتهى نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري.

ومن المعلوم عن أهل العلم أنه ليس كل أمر من الشارع تجب المبادرة بامتثاله، بل إن من الأوامر ما هو على التراخي ومنها ما هو على الفور، فتأخير الصحابة لامتثال هذا الأمر اجتهاد منهم رضي الله عنهم، والمجتهد مأجور ولو أخطأ في اجتهاده، ففي الحديث المتفق عليه: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فاخطأ فله أجر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني