الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوضار القلب القاسي تغسلها التوبة والاستغفار

السؤال

هل لمن قسى قلبه أو ران على قلبه أو لمن ختم الله على قلبه من توبة ؟ أم أن الله لا يوفقه إلى التوبة؟
و ما هى الأسباب المؤدية الى ذلك؟
و ما هى علامت ذلك؟
أريد أن أعرف جميع أنواع القلوب و صفات كل منها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإن قبول الله للتوبة وغفرانه لمن تاب وأقلع ظاهراً أو باطناً لا خلاف فيه، فإن الله تعالى لم ‏يسد باب التوبة عن أحد من خلقه، ولو كافراً تاب من كفره وأسلم أو منافقاً تاب من ‏نفاقه. قال تعالى في شأن المنافقين ( إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا ‏دينهم لله فأولئك مع المؤمنين ) [النساء: 146]‏
والتوبة تأتي على كل ذنب بالغاً ما بلغ، قال تعالى: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على ‏أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور ‏الرحيم).[الزمر:53]‏
وبالجملة فليست هناك معصية إلا ويقبل الله التوبة منها بفضله وإحسانه، كما وعد في ‏كتابه المجيد بقوله: ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن ‏السيئات).[الشورى:25]‏
وأما الأسباب المؤدية إلى الختم على القلب والطبع عليه فهي كل ما لا يرضي الله تعالى من ‏الخطايا والمعاصي، لحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن العبد ‏إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قبله، وإن ‏زيد عاد فيها حتى تعلوا قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: ( كلا بل ران على قلوبهم ما ‏كانوا يكسبون) "رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.‏
وأما علامات الختم على القلب فهي عدم استجابة الأوامر لله سبحانه وتعالى، فالقلب ‏المختوم عليه هو الذي لا يعرف ربه، ولا يعبده بأمره ونهيه، بل هو دائر مع شهوات ‏صاحبه ولذاته ولو كان فيها سخط ربه وغضبه وقد ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أن ‏أنواع القلوب ثلاثة:‏
قلب سليم: وهو الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، قال تعالى: ( يوم لا ينفع ‏مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم ).[الشعراء: 88-89]‏
والقلب السليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة ‏تعارض خبره، فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم. وبالجملة فالقلب السليم الصحيح هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك ‏بوجه ما بل قد خلصت عبادته لله: إرادة وتوكلاً ومحبة وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء.‏
‏(وقلب ميت) وهو المتعبد لغير الله حباً وخوفاً ورجاء ورضاً وسخطاً: إن أبغض أبغض ‏لهواه، وإن أحب أحب لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه. فالهوى إمامه، ‏والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركبه.‏
‏(وقلب مريض) وهو الذي له حياة وبه علة، فله مادتان: تمده هذه مرة، وهذه مرة أخرى، ‏وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به ما هو مادة حياته، وفيه من ‏محبة الشهوات والحرص على تحصيلها ما هو مادة هلاكه وعطبه.
وأهم علاج للقلوب ‏قراءة القرآن، فإنه شفاء لما في الصدور من الشك، ويزيل ما فيها من الشرك ودنس الكفر ‏وأمراض الشبهات والشهوات، وهو هدى لمن علم بالحق وعمل به، ورحمة لما يحصل به ‏للمؤمنين من الثواب
العاجل والآجل: ( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به ‏في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).[الأنعام:122]‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني