الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوفاء بالنذر يلزم كلما تكرر شرطه

السؤال

نذرت إن فعلت ذنباً ما أن أصلي عشر ركعات في المسجد النبوي الشريف، وكنت أسكن في المدينة المنورة، والآن أسكن على بعد 200 كلم منه، إلا أنني أذهب إلى المدينة كل شهر تقريباً، ولم أصل أي ركعة منذ 1988 إلا أنني في الفترة الأخيرة بدأت أصلي ما أستطيع صلاته في البلد الذي أسكن فيه. فبم تنصحونني أريد أن أوقف ذلك النذر؟هل يمكنني أن أصلي الركعات في بلدي الحالي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن النذر أمره عظيم عند الله تعالى، والوفاء به واجب متحتم، ومن نذر أن يفعل قربة من القرب إن حصل أمر معين وجب عليه الوفاء بها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" أخرجه البخاري وغيره. وقد بين الله تعالى في محكم كتابه أن الوفاء بالنذر من أخص الصفات الموجبة لدخول الجنة، والنجاة من النار، قال الله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) [الإنسان:5-7].
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم من أخبره من أصحابه أنه نذر أن يفي بنذره، في وقائع كثيرة مشهورة، فعليك أن تحافظ على الوفاء بنذرك، وعلى الشرط الذي اشترطت، وهو صلاة الركعات في المسجد النبوي الشريف، ولا يجزئك أن تصليها في غيره، لأن للصلاة في ذلك المسجد مزية ليست لغيره من البقاع، إلا المسجد الحرام، ولذلك لو كان الوصول إلى المسجد الحرام أيسر عليك، فصل فيه ولا حرج، وتكون قد أتيت بما عليك وزيادة.
ففي المسند وسنن أبي داود أن رجلاً قال يوم الفتح: يا رسول الله، إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، فقال: "صل هاهنا" فسأله، فقال: "صل هاهنا" فسأله، فقال: "شأنك إذن".
وقد قالت ميمونة رضي الله عنها لامرأة أخبرتها أنها نذرت - إن برئت من مرض أصابها - أن تصلي في بيت المقدس: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة" أخرجه الإمام أحمد في المسند، ومسلم في الصحيح.
فإن عجزت عجزاً حقيقياً عن الوصول إلى أحد المسجدين - المسجد النبوي والمسجد الحرام - فصل الركعات في المكان الذي أنت فيه، وعليك كفارة يمين عن كل مرة لزمك فيها النذر، لأن نذرك مشتمل على قربتين: الصلاة، وكونها في المسجد النبوي، فإن عجزت عن إحداهما، فافعل المستطاعة، وكفر كفارة يمين عن غير المستطاعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً أطاقه فليف به" كما في سنن ابن ماجه.
وليس بالإمكان أن توقف هذا النذر، ولكن عليك أن تتقي الله تعالى ولا تعصه، فإن ارتكاب المعصية محرم وإن لم يحصل منك النذر، وعليك أن تستغفر الله تعالى، وتتوب إليه مما مضى، وتسأله الحفظ فيما بقي من عمرك، فهو سبحانه وتعالى تواب غفور رحيم مجيب الدعاء جواد كريم.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني