المبحث الثالث  
اشترط القائلون بالجمل  شروطا سبعة      :  
( الأول ) : أن يكون المقيد من باب الصفات ، مع ثبوت الذوات في الموضعين ، فأما في إثبات أصل الحكم ، من زيادة أو عدد فلا يحمل أحدهما على الآخر ، وهذا كإيجاب غسل الأعضاء الأربعة في الوضوء ، مع الاقتصار على عضوين في التيمم ، فإن الإجماع منعقد على أنه لا يحمل إطلاق التيمم على تقييد الوضوء ، حتى يلزم التيمم في الأربعة الأعضاء ، لما فيه من إثبات حكم لم يذكر ، وحمل المطلق على المقيد يختص بالصفات كما ذكرنا .  
وممن ذكر هذا الشرط   القفال الشاشي  ، والشيخ   أبو حامد الإسفراييني ،  والماوردي   والروياني  ، ونقله  الماوردي  عن  الأبهري  من المالكية ، ونقل  الماوردي  أيضا عن   ابن خيران  من الشافعية : أن المطلق يحمل على المقيد في الذات ، وهو قول باطل .  
( الشرط الثاني ) : أن لا يكون للمطلق إلا أصل واحد ، كاشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والوصية ، وإطلاق الشهادة في البيوع وغيرها ، فهي شرط في الجميع ، وكذا تقييد ميراث الزوجين بقوله تعالى :  من بعد وصية توصون بها أو دين   وإطلاق الميراث فيما أطلق فيه ، فيكون ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية      [ ص: 482 ] والدين ، فأما إذا كان المطلق دائرا بين قيدين متضادين نظر ، فإن كان السبب مختلفا لم يحمل إطلاقه على أحدهما إلا بدليل ، فيحمل على ما كان القياس عليه أولى ، أو ما كان دليل الحكم عليه أقوى .  
وممن ذكر هذا الشرط الأستاذ  أبو منصور ،  والشيخ   أبو إسحاق الشيرازي  في اللمع  والماوردي  ، وحكى   القاضي عبد الوهاب  الاتفاق على اشتراطه . قال  الزركشي  وليس كذلك ، فقد حكى   القفال الشاشي  فيه خلافا لأصحابنا ولم يرجح شيئا .  
( الشرط الثالث ) : أن يكون في باب الأوامر والإثبات ، أما في جانب النفي والنهي فلا ; فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النفي والنهي ، وهو غير سائغ .  
وممن ذكر هذا الشرط   الآمدي ،  وابن الحاجب  ، وقالا : لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما ; لعدم التعذر ، فإذا قال لا تعتق مكاتبا ، لا تعتق مكاتبا كافرا ( لم يعتق مكاتبا كافرا ) ولا مسلما ، إذ لو أعتق واحدا منهما لم يعمل بهما ، وأما صاحب المحصول فسوى بين الأمر والنهي ورد عليه  القرافي  بمثل ما ذكره   الآمدي  ،  وابن حاجب  ، وأما  الأصفهاني  فتبع صاحب المحصول ، وقال  حمل المطلق على المقيد   لا يختص بالأمر والنهي ، بل يجري في جميع أقسام الكلام .  
قال  الزركشي     : وقد يقال لا يتصور توارد المطلق والمقيد في جانب النفي والنهي ، وما ذكروه من المثال إنما هو من قبيل أفراد بعض مدلول العام ، وفيه ما تقدم من خلاف   أبي ثور  ، فلا وجه لذكره هاهنا انتهى .  
والحق : عدم الحمل في النفي والنهي ، وممن اعتبر هذا الشرط  ابن دقيق العيد  ، وجعله أيضا شرطا في بناء العام على الخاص .  
( الشرط الرابع ) : أن لا يكون في جانب الإباحة . قال  ابن دقيق العيد  إن المطلق لا يحمل على المقيد في جانب الإباحة إذ لا تعارض بينهما وفي المطلق زيادة قال  الزركشي  وفيه نظر .  
( الشرط الخامس ) : أن لا يمكن الجمع بينهما إلا بالحمل ، فإن أمكن بغير إعمالهما      [ ص: 483 ] فإنه أولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما ، ذكره  ابن الرفعة  في المطلب .  
( الشرط السادس ) : أن لا يكون المقيد ذكر معه قدر زائد يمكن أن يكون القيد لأجل ذلك القدر الزائد ، فلا يحمل المطلق على المقيد هاهنا قطعا .  
( الشرط السابع ) : أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد ، فإن قام دليل على ذلك فلا تقييد .  
				
						
						
