المسألة الثانية  
[ في جواز النسخ عقلا ووقوعه سمعا ]  
النسخ   جائز عقلا واقع سمعا ، بلا خلاف في ذلك بين المسلمين ، إلا ما يروي عن  أبي مسلم الأصفهاني  فإنه قال إنه جائز ، غير واقع ، وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلا فظيعا ، وأعجب من جهله بها حكاية من حكي عنه الخلاف في كتب الشريعة ، فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين ، لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية .  
وأما الجواز : فلم يحك الخلاف فيه إلا عن اليهود ، وليس بنا إلى نصب الخلاف بيننا وبينهم حاجة ، ولا هذه بأول مسألة خالفوا فيها أحكام الإسلام ، حتى يذكر خلافهم      [ ص: 537 ] في هذه المسألة ، ولكن هذا من غرائب أهل الأصول .  
على أنا قد رأينا في التوراة في غير موضع أن الله سبحانه رفع عنهم أحكاما لما تضرعوا إليه ، وسألوا منه رفعها ، وليس النسخ إلا هذا ، ولهذا لم يحكه من له معرفة بالشريعة الموسوية إلا عن طائفة من اليهود ، وهم الشمعونية ولم يذكروا لهم دليلا ، إلا ما ذكره بعض أهل الأصول من أن النسخ " بداء " والبداء ممتنع عليه ، وهذا مدفوع بأن النسخ لا يستلزم البداء ، لا عقلا ، ولا شرعا ، وقد جوزت الرافضة البداء عليه - عز وجل - لجواز النسخ ، وهذه مقالة توجب الكفر بمجردها .  
والحاصل : أن النسخ جائز عقلا ، واقع شرعا ، من غير فرق بين كونه في الكتاب أو السنة .  
وقد حكى جماعة من أهل الأصول اتفاق أهل الشرائع عليه ، فلم يبق في المقام ما يقتضي تطويل المقال .  
وقد أول جماعة خلاف  أبي مسلم الأصفهاني  المذكور سابقا بما يوجب أن يكون الخلاف لفظيا . قال  ابن دقيق العيد     : نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ ، لا بمعنى أن الحكم الثابت لا يرتفع ، بل بمعنى أنه ينتهي بنص دل على انتهائه ، فلا يكون نسخا . ونقل عنه   أبو إسحاق الشيرازي  ،   والفخر الرازي  ،   وسليم الرازي     : أنه إنما أنكر الجواز ، وأن خلافه في القرآن خاصة ، لا كما نقل عنه الآمدي ، وابن الحاجب : أنه أنكر الوقوع .  
 [ ص: 538 ] وعلى كلا التقديرين فذلك جهالة منه عظيمة للكتاب والسنة ، ولأحكام العقل ، فإنه إن اعترف بأن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع ; فهذا بمجرده يوجب عليه الرجوع عن قوله ، وإن كان لا يعلم ذلك فهو جاهل بما هو من الضروريات الدينية ، وإن كان مخالفا لكونها ناسخة للشرائع ; فهو خلاف كفري لا يلتفت إلى قائله .  
نعم إذا قال : إن الشرائع المتقدمة مغياة بغاية هي البعثة المحمدية ، وأن ذلك ليس بنسخ ; فذلك أخف من إنكار كونه نسخا غير مقيد بهذا القيد .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					