المسألة العاشرة  
[ في نسخ القرآن بالسنة المتواترة ] يجوز  نسخ القرآن بالسنة المتواترة   عند الجمهور ، كما حكى ذلك عنهم   أبو الطيب الطبري  ،  وابن برهان  ،  وابن الحاجب     .  
قال   ابن فورك  في شرح مقالات الأشعري وإليه ذهب شيخنا   أبو الحسن الأشعري  ، وكان يقول إن ذلك وجد في قوله تعالى :  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين   فإنه منسوخ بالسنة المتواترة ، وهي قوله :  لا وصية لوارث     ( وكان يقول : إنه لا يجوز أن يقال إنها      [ ص: 556 ] نسخت بآية المواريث ) ; لأنه يمكن أن يجمع بينهما .  
قال  ابن السمعاني     : وهو مذهب  أبي حنيفة  ، وعامة المتكلمين .  
وقال   سليم الرازي     : وهو قول  أهل  العراق    ، قال : وهو مذهب  الأشعري  ، والمعتزلة ، وسائر المتكلمين .  
قال  الدبوسي     : هو قول علمائنا يعني الحنفية .  
قال  الباجي     : قال به عامة شيوخنا ، وحكاه  أبو الفرج  عن  مالك  قال ولهذا لا تجوز عنده الوصية للوارث للحديث فهو ناسخ لقوله تعالى :  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت   الآية .  
وذهب   الشافعي  في عامة كتبه ، كما قال  ابن السمعاني  إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة بحال ، وإن كانت متواترة ، وبه جزم  الصيرفي  والخفاف  ، ونقله  عبد الوهاب  عن أكثر الشافعية .  
وقال الأستاذ  أبو منصور     : أجمع أصحاب   الشافعي  على المنع ، وهذا يخالف ما حكاه   ابن فورك  عنهم ، فإنه حكى عن أكثرهم القول بالجواز ، ثم اختلف المانعون ، فمنهم من منعه عقلا وشرعا ، ومنهم من منعه شرعا لا عقلا .  
واستدل على ذلك بقوله تعالى :  ما ننسخ من آية أو ننسها   الآية .  
قالوا : ولا تكون السنة خيرا من القرآن ، ولا مثله ، قالوا : ولم نجد في القرآن آية منسوخة بالسنة .  
وقد استنكر جماعة من العلماء ما ذهب إليه   الشافعي  من المنع ، حتى قال   إلكيا الهراس     : هفوات الكبار على أقدارهم ، ومن عد خطؤه عظم قدره .  
 [ ص: 557 ] قال : وقد كان  عبد الجبار  كثيرا ما ينصر مذهب   الشافعي  في الأصول والفروع ، فلما وصل إلى هذا الموضع قال : هذا الرجل كبير ، ولكن الحق أكبر منه ، قال : ولم نعلم أحدا منع من جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد عقلا ، فضلا عن المتواتر ، فلعله يقول : دل عرف الشرع على المنع منه ، وإذا لم يدل قاطع من السمع توقفنا ، وإلا فمن الذي يقول إنه - عليه السلام - لا يحكم بقوله في نسخ ما ثبت في الكتاب ، وأن هذا مستحيل في العقل ؟  
والمغالون في حب   الشافعي  لما رأوا هذا القول لا يليق بعلو قدره ، وهو الذي مهد هذا الفن ورتبه ، وأول من أخرجه ، قالوا : لا بد أن يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل ، فتعمقوا في محامل ذكروها انتهى .  
ولا يخفاك أن السنة شرع من الله - عز وجل - كما أن الكتاب شرع منه سبحانه ، وقد قال تعالى :  وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا   وأمر سبحانه باتباع رسوله في غير موضع في القرآن ، فهذا بمجرده يدل على أن السنة الثابتة عنه ثبوتا على حد ثبوت الكتاب العزيز حكمها حكم القرآن في النسخ وغيره ، وليس في العقل ما يمنع من ذلك ، ولا في الشرع .  
وقوله تعالى :  ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها   ليس فيه إلا أن ما يجعله الله منسوخا من الآيات القرآنية سيبدله بما هو خير منه ، أو بما هو مثله للمكلفين ، وما أتانا على لسان رسوله ، فهو كما أتانا منه ، كما قال سبحانه :  إن هو إلا وحي يوحى   وكما قال تعالى :  قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي      .  
قال   أبو منصور البغدادي     : لم يرد   الشافعي  مطلق السنة ، بل أراد السنة المنقولة آحادا ، واكتفى بهذا الإطلاق ; لأن الغالب في السنة الآحاد .  
قال  الزركشي  في البحر : " والصواب أن مقصود الشافعي أن الكتاب والسنة لا يوجدان مختلفين إلا ومع أحدهما مثله ناسخ له ، وهذا تعظيم عظيم ، وأدب مع الكتاب والسنة ، وفهم لموقع أحدهما من الآخر ، وكل من تكلم في هذه المسألة لم يقع على مراد   الشافعي  ، بل فهموا خلاف مراده ، حتى غلطوه وأولوه انتهى .  
 [ ص: 558 ] ومن جملة ما قيل : إن السنة فيه نسخت القرآن الآية المتقدمة ، أعني قوله تعالى :  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت   الآية ، وقوله :  وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار   ، وقوله تعالى :  قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما   الآية . فإنها منسوخة بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير ، وقوله تعالى :  حرمت عليكم الميتة   فإنها منسوخة بأحاديث الدباغ ، على نزاع طويل في كون ما في هذه الآيات منسوخا بالسنة .  
				
						
						
