وهو أربعة أقسام :  
لأن التلازم إنما يكون بين حكمين ، وكل واحد منهما إما مثبت أو منفي ، وحاصله إذا كان تلازم تساو ، فثبوت كل يستلزم ثبوت الآخر ، ونفيه نفيه ، وإن كان مطلق اللزوم ; فثبوت الملزوم يستلزم ثبوت اللازم ، من غير عكس ، ونفي اللازم يستلزم نفي الملزوم ، من غير عكس ، ( وأنه إذا كان بين الشيئين انفصال حقيقي فثبوت كل يستلزم نفي الآخر ، ونفيه ثبوته ، وإن كان منع جمع ، فثبوت كل يستلزم نفي الآخر من غير عكس ، وإن كان منع خلو فنفي كل يستلزم ثبوت الآخر من غير عكس ) .  
 [ ص: 678 ] وخلاصة هذا البحث ترجع إلى  الاستدلال بالأقيسة الاستثنائية ، والاقترانية      .  
قال   الآمدي     : ومن أنواع الاستدلال قولهم : وجد السبب والمانع أو فقد الشرط .  
ومنها : انتفاء الحكم ، لانتفاء مدركه .  
ومنها : الدليل المؤلف من أقوال ، يلزم من تسليمها لذاتها قول آخر . ثم قسمه إلى الاقتراني ، والاستثنائي ، وذكر الأشكال الأربعة وشروطها ، وضروبها انتهى .  
فليرجع في هذا البحث إلى ذلك الفن .  
وإذا كان هذا لا يجري إلا فيما فيه تلازم ، أو تناف ، فالتلازم إما أن يكون طردا أو عكسا ، أي في الطرفين ، أو طردا لا عكسا ، أي من طرف واحد ، والتنافي لا بد أن يكون من الطرفين ، لكنه إما أن يكون طردا وعكسا ، أي إثباتا ونفيا ، وإما طردا فقط ، أي إثباتا ، وإما عكسا فقط ، أي نفيا .  
( الأول ) : المتلازمان طردا وعكسا ، وذلك كالجسم والتأليف ، إذ كل جسم مؤلف ، وكل مؤلف جسم ، وهذا يجري فيه التلازم بين الثبوتين ، وبين النفيين ، كلاهما طردا وعكسا ، كلما كان جسما كان مؤلفا ، وكلما كان مؤلفا كان جسما ، وكلما لم يكن مؤلفا لم يكن جسما ، وكلما لم يكن جسما لم يكن مؤلفا .  
( الثاني ) : المتلازمان طردا فقط ، كالجسم والحدوث ، إذ كل جسم حادث ، ولا ينعكس في الجوهر الفرد ، فهذا يجري فيه التلازم بين الثبوتين طردا فيصدق ، كلما كان جسما كان حادثا ، لا عكسا ، فلا يصدق كلما كان حادثا كان جسما ، ويجري فيه التلازم بين النفيين ، عكسا ، فيصدق كلما لم يكن حادثا لم يكن جسما ، لا طردا ، فلا يصدق كلما لم يكن جسما لم يكن حادثا .  
( الثالث ) : المتنافيان طردا وعكسا ، كالحدوث ووجوب البقاء ، فإنهما لا يجتمعان في ذات ، فتكون حادثة واجبة البقاء ، ولا يرتفعان ، فيكون قديما غير واجب البقاء ، فهذا يجري فيه التلازم بين الثبوت والنفي ، وبين النفي والثبوت ، طردا وعكسا ، أي من الطرفين فيصدق لو كان حادثا لم يجب بقاؤه ، ولو وجب بقاؤه لم يكن حادثا ، فلا يجب بقاؤه ، ولو لم يجب بقاؤه ، فلا يكون حادثا .  
( الرابع ) : المتنافيان طردا لا عكسا ، إي إثباتا لا نفيا ، كالتأليف والقدم ، إذ لا يجتمعان ، فلا يوجد شيء هو مؤلف وقديم ، لكنهما قد يرتفعان كالجزء الذي لا      [ ص: 679 ] يتجزأ ، وهذا يجري فيه التلازم بين الثبوت والنفي ، طردا وعكسا ، أي من الطرفين ، فيصدق كلما كان جسما ، لم يكن قديما ، وكلما كان قديما ( لم يكن جسما ، ولا يصدق كلما كان جسما لم يكن قديما ، وكلما كان قديما ) كان جسما .  
( الخامس ) : المتنافيان عكسا ، أي نفيا ; كالأساس والخلل ، فإنهما لا يرتفعان فلا يوجد ما ليس له أساس ، ولا يختل ، وقد يجتمعان في كل ما له أساس قد يختل بوجه آخر ، وهذا يجري فيه تلازم النفي والإثبات ، طردا وعكسا ، فيصدق كل ما لم يكن له أساس ، فهو مختل ، وكل ما لم يكن مختلا فليس له أساس ، ولا يصدق كل ما كان له أساس فليس بمختل ، وكل ما كان مختلا فليس له أساس .  
وما قدمنا عن   الآمدي  أن من أنواع الاستدلال قولهم : وجد السبب إلخ هو أحد الأقوال لأهل الأصول .  
وقال بعضهم : إنه ليس بدليل ، وإنما هو دعوى دليل ، فهو بمثابة قولهم : وجد دليل الحكم ، فيوجد الحكم لا يكون دليلا ما لم يعين ، وإنما الدليل ما يستلزم المدلول . وقال بعضهم : هو دليل ; إذ لا معنى للدليل إلا ما يلزم من العلم به العلم بالمدلول .  
والصواب القول الأول أنه استدلال ، لا دليل ، ولا مجرد دعوى .  
واعلم أنه يرد على جميع أقسام التلازم من الاعتراضات السابقة جميع ما تقدم ، ما عدا الاعتراضات الواردة على نفس العلة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					