وهو أن يكون العالم قد تحصل له في بعض المسائل ما هو مناط الاجتهاد من الأدلة دون غيرها ، فإذا حصل له ذلك فهل له أن يجتهد فيها أولا ، بل لا بد أن يكون مجتهدا مطلقا ، عنده ما يحتاج إليه في جميع المسائل ؟  
فذهب جماعة إلى أنه يتجزأ ، وعزاه  الصفي الهندي  إلى الأكثرين ، وحكاه صاحب النكت عن   أبي علي الجبائي ،  وأبي  عبد الله البصري ،  قال  ابن دقيق العيد :  وهو المختار ; لأنها قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه ، وإذا حصلت المعرفة بالمآخذ أمكن الاجتهاد .  
قال   الغزالي ،  والرافعي     : يجوز  أن يكون العالم منتصبا للاجتهاد في باب دون باب      .  
وذهب آخرون إلى المنع ; لأن المسألة في نوع من الفقه ، ربما كان أصلها في نوع آخر منه .  
احتج الأولون : بأنه لو لم يتجزأ الاجتهاد لزم أن يكون المجتهد عالما بجميع المسائل ، واللازم منتف ، فكثير من المجتهدين قد سئل فلم يجب ، وكثير منهم سئل عن مسائل ، فأجاب في البعض ، وهم مجتهدون بلا خلاف . ومن ذلك ما روي أن مالكا سئل عن أربعين مسألة ، فأجاب في أربع منها ، وقال في الباقي : لا أدري .  
وأجيب : بأنه قد يترك ذلك لمانع ، أو للورع ، أو لعلمه بأن السائل متعنت ، وقد      [ ص: 728 ] يحتاج بعض المسائل إلى مزيد بحث ، يشغل المجتهد عنه شاغل في الحال .  
واحتج النافون بأن كل ما يقدر جهله به يجوز تعلقه بالحكم المفروض ، فلا يحصل له ظن عدم المانع .  
وأجيب بأن المفروض حصول جميع ما يتعلق بتلك المسألة .  
ويرد هذا الجواب بمنع حصول ما يحتاج إليه المجتهد في مسألة دون غيرها ، فإن من لا يقتدر على الاجتهاد في بعض المسائل لا يقتدر عليه في البعض الآخر ، وأكثر علوم الاجتهاد يتعلق بعضها ببعض ، ويأخذ بعضها بحجزة بعض ، ولا سيما ما كان من علومه مرجعه إلى ثبوت الملكة ، فإنها إذا تمت كان مقتدرا على الاجتهاد في جميع المسائل ، وإن احتاج بعضها إلى مزيد بحث ، وإن نقصت لم يقتدر على شيء من ذلك ، ولا يثق من نفسه لتقصيره ، ولا يثق به الغير لذلك ، فإن ادعى بعض المقصرين بأنه قد اجتهد في مسألة ( دون مسألة ) فتلك الدعوى يتبين بطلانها بأن يبحث معه من هو مجتهد اجتهادا مطلقا ، فإنه يورد عليه من المسالك والمآخذ ما لا يتعقله . قال  الزركشي  وكلامهم يقتضي تخصيص الخلاف بما إذا عرف بابا دون باب ، أما مسألة دون مسألة فلا يتجزأ قطعا ، والظاهر جريان الخلاف في الصورتين ، وبه صرح  الأبياري  انتهى .  
ولا فرق عند التحقيق ( بين الصورتين ) في امتناع  تجزؤ الاجتهاد ،   فإنهم قد اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بالدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى ، وعدم المانع ، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق ، وأما من ادعى الإحاطة بما يحتاج إليه في باب دون باب ، أو في مسألة دون مسألة ; فلا يحصل له شيء من غلبة الظن بذلك ; لأنه لا يزال يجوز للغير ما قد بلغ إليه علمه ، فإن قال : قد غلب ظنه بذلك ; فهو مجازف ، وتتضح مجازفته بالبحث معه .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					