[ ص: 754 ]  [ ص: 755 ] وفيه ست مسائل  
المسألة الأولى  
في  حد التقليد   ، والمفتي ، والمستفتي  
أما التقليد : فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة ، التي يقلد غيره بها ، ومنه تقليد الهدي ، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم ، الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده .  
وفي الاصطلاح : هو العمل بقول الغير من غير حجة .  
فيخرج العمل بقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، والعمل بالإجماع ، ورجوع العامي إلى المفتي ، ورجوع القاضي إلى شهادة العدول ، فإنها قد قامت الحجة في ذلك .  
أما العمل بقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ، وبالإجماع ، فقد تقدم الدليل على ذلك في مقصد السنة ، وفي مقصد الإجماع .  
وأما  رجوع القاضي إلى قول الشهود      : فالدليل عليه ما في الكتاب والسنة ، من الأمر بالشهادة والعمل بها وقد وقع الإجماع على ذلك .  
وأما رجوع العامي إلى قول المفتي فللإجماع على ذلك .  
ويخرج عن ذلك قبول رواية الرواة ، فإنه قد دل الدليل على قبولها ، ووجوب العمل بها .  
وأيضا : ليست قول الراوي ، بل قول من روى عنه ، إن كان ممن تقوم به الحجة .  
 [ ص: 756 ] وقال  ابن الهمام  في التحرير ، التقليد : العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجة . وهذا الحد أحسن من الذي قبله .  
وقال  القفال :  هو قبول قول القائل ، وأنت لا تعلم من أين قاله .  
وقال الشيخ  أبو حامد ،  والأستاذ أبو منصور     : هو قبول القول من غير حجة تظهر على قوله .  
وقيل : هو قبول الغير دون حجته ، أي حجة القول .  
والأولى أن يقال : هو قبول رأي من لا تقوم به الحجة بلا حجة .  
وفوائد هذه القيود معروفة بما تقدم .  
وأما  المفتي   فهو المجتهد ، وقد تقدم بيانه ، ومثله قول من قال : إن المفتي للفقيه ; لأن المراد به المجتهد في مصطلح أهل الأصول .  
والمستفتي من ليس بمجتهد ، أو من ليس بفقيه ، وقد عرفت من حد المقلد ، على جميع الحدود المذكورة ، أن قبول قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم ، والعمل به ليس من التقليد في شيء ; لأن قوله - صلى الله عليه وآله وسلم ، وفعله نفس الحجة .  
قال  القاضي حسين  في التعليق : لا خلاف أن قبول قول غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصحابة ، والتابعين ، يسمى تقليدا ، وأما قبول قوله - صلى الله عليه وآله وسلم ، فهل يسمى تقليدا ؟ فيه وجهان يبنيان على الخلاف في حقيقة التقليد ما هو ؟  
وذكر   الشيخ أبو حامد  أن الذي نص عليه   الشافعي  أنه يسمى تقليدا ، فإنه قال في حق قول الصحابي لما ذهب إلى أنه لا يجب الأخذ به ، ما نصه : وأما أن يقلده ، فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتهى .  
ولا يخفاك أن مراده بالتقليد هاهنا غير ما وقع عليه الاصطلاح ; ولهذا قال  الروياني  في البحر : أطلق   الشافعي  على جعل القبول من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تقليدا ، ولم يرد حقيقة التقليد ، وإنما أراد القبول من غير السؤال عن وجهه ، وفي وقوع اسم      [ ص: 757 ] التقليد عليه وجهان .  
قال : والصحيح من المذهب أنه يتناول هذا الاسم .  
قال  الزركشي  في البحر : وفي هذا إشارة إلى رجوع الخلاف إلى اللفظ ، وبه صرح   إمام الحرمين  في " التلخيص " حيث قال : وهو اختلاف في عبارة يهون موقعها عند ذوي التحقيق انتهى .  
وبهذا تعرف أن التقليد بالمعنى المصطلح عليه لا يشمل ذلك ، وهو المطلوب .  
قال  ابن الدقيق العيد :  إن قلنا إن  الأنبياء   لا يجتهدون ، فقد علمنا أن سبب أقوالهم الوحي ، فلا يكون تقليدا ، وإن قلنا إنهم يجتهدون ، فقد علمنا أن السبب أحد الأمرين : إما الوحي أو الاجتهاد ، وعلى كل تقدير ، فقد علمنا السبب ، واجتهادهم اجتهاد معلوم العصمة انتهى .  
وقد نقل  القاضي  في التقريب الإجماع على أن الآخذ بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - والراجع إليه ليس بمقلد ، بل هو صائر إلى دليل وعلم يقين انتهى .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					