اختلف المجوزون للتقليد ،  هل يجب على العامي التزام مذهب معين في كل واقعة ؟   فقال جماعة منهم يلزمه : ورجحه  إلكيا     .  
وقال آخرون : لا يلزمه ، ورجحه  ابن برهان  والنووي     .  
واستدلوا بأن الصحابة - رضي الله عنهم - لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل ، وبعضهم في البعض الآخر .  
وذكر بعض  الحنابلة   أن هذا مذهب   أحمد بن حنبل  ، فإنه قال لبعض أصحابه : لا تحمل الناس على مذهبك فيحرجوا ، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس .  
وسئل عن مسألة من الطلاق فقال : يقع يقع ، فقال له السائل : فإن أفتاني أحد أنه لا يقع      [ ص: 772 ] يجوز ؟ قال : نعم . وقال : وقد كان السلف يقلدون من شاءوا قبل ظهور المذاهب .  
وقال  ابن المنير  الدليل يقتضي التزام مذهب معين بعد الأربعة ، لا قبلهم . انتهى .  
وهذا التفصيل مع زعم قائله أنه اقتضاه الدليل من أعجب ما يسمعه السامعون ، وأغرب ما يعتبر به المنصفون .  
أما إذا التزم العامي مذهبا معينا فلهم في ذلك خلاف آخر ، وهو أنه هل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل ، ويأخذ بقول غيره ، فقيل : لا يجوز .  
وقيل : يجوز .  
وقيل : إن كان قد عمل بالمسألة لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز .  
وقيل : إن كان بعد حدوث الحادثة التي قلد فيها لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز ، واختار هذا   إمام الحرمين     .  
وقيل : إن غلب على ظنه أن مذهب غير إمامه في تلك المسألة أقوى من مذهبه جاز له ، وإلا لم يجز ، وبه قال   القدوري الحنفي  ، وقيل : إن كان المذهب الذي أراد الانتقال إليه مما ينقض الحكم لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز ، واختاره ابن عبد السلام ، وقيل : يجوز بشرط أن ينشرح له صدره ، وأن لا يكون قاصدا للتلاعب ، وأن لا يكون ناقضا لما قد حكم عليه به ، واختاره  ابن دقيق العيد     .  
وقد ادعى   الآمدي  ،  وابن الحاجب     : أنه يجوز قبل العمل لا بعده بالاتفاق .  
واعترض عليهما : بأن الخلاف جاز فيما ادعيا الاتفاق عليه .  
أما لو اختار المقلد من كل مذهب ما هو الأهون عليه ، والأخف له ، فقال   أبو إسحاق المروزي     : يفسق .  
وقال   ابن أبي هريرة     : لا يفسق .  
 [ ص: 773 ] قال الإمام   أحمد بن حنبل     : لو أن رجلا عمل بقول  أهل  الكوفة    في النبيذ ،  وأهل  المدينة    في السماع ،  وأهل  مكة    في المتعة ، كان فاسقا . وخص القاضي من  الحنابلة   التفسيق بالمجتهد ، إذا لم يؤد اجتهاده إلى الرخصة ، واتبعها العامي العامل بها من غير تقليد ؛ لإخلاله بفرضه وهو التقليد فأما العامي إذا قلد في ذلك فلا يفسق لأنه قلد من سوغ اجتهاده .  
وقال  ابن عبد السلام     : إنه ينظر إلى الفعل الذي فعله ، فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم ، وإلا لم يأثم .  
وفي السنن  للبيهقي  عن   الأوزاعي     : من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام     " وروى عنه أنه قال : يترك من قول  أهل  مكة    المتعة ، والصرف ، ومن قول  أهل  المدينة    السماع ، وإتيان النساء في أدبارهن ، ومن قول  أهل  الشام    الحرب والطاعة ، ومن قول  أهل  الكوفة    النبيذ " .  
وحكى  البيهقي  عن   إسماعيل القاضي  قال : دخلت على  المعتضد  فرفع إلي كتابا نظرت فيه ، وقد جمع فيه الرخص ، من زلل العلماء وما احتج به كل منهم . فقلت : مصنف هذا زنديق ، فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ ( فقلت : الأحاديث ) على ما رويت ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر ، وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهب دينه ، فأمر  المعتضد  بإحراق ذلك الكتاب     .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					