الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                [ ص: 117 ] كتاب الطلاق 1 - السكران كالصاحي [ ص: 118 ] إلا في الإقرار بالحدود الخالصة

                [ ص: 117 ]

                التالي السابق


                [ ص: 117 ] قوله : السكران كالصاحي إلخ .

                في المجتبى : واختلفوا في حد السكران فإن كان الأمر على ما ينقل عن أصحابنا ، وهو الذي لا يميز الأرض من السماء ، والرجل من المرأة ، فلا مرية في أن طلاقه وبيعه وعتاقه وحلفه باطل ، وإن كان معه من العقل والتمييز ما يقوم به التكليف والخطاب فهو كالصاحي ، فيصح منه ذلك .

                وقلت : هذا تفصيل حسن لا بد من حفظه والناس عنه غافلون ( انتهى )

                قال العلامة محمد بن عبد الله التمرتاشي في كتابه معين المفتي : أقول : هو كما ذكر لو كان كلمات عامة الشراح والتصانيف المعتبرة لا تخالفه ، ألا ترى إلى قول الإمام الزيلعي : لأنه لما زال عقله بسبب ، هو معصية ، فيجعل باقيا زاجرا له بخلاف ما إذا زال بالمباح ( انتهى ) .

                ومن ثم قال المصنف رحمه الله في البحر : بعد كلام ، والحاصل أن المعتمد في المذهب ، أن السكران الذي لا يصح منه التصرفات هو من لا عقل له يميز به الرجل من المرأة ، ولا السماء من الأرض ، وبه يبطل قول من ادعى أن الخلاف فيه إنما هو فيه بمعنى عكس الاستحسان والاستقباح ، مع تميزه الرجل من المرأة ، والعجب ما صرح به في بعض العبارات من أنه من معه من العقل ما يقوم به التكليف .

                ولا شك أنه على هذا التقرير لا يتجه لأحد أن يقول : إنه لا يصح تصرفاته

                ثم اعلم أن ظاهر كلام المصنف رحمه الله ، أنه لو زوج بنته الصغيرة ونقص من مهر مثلها نقصانا فاحشا جاز ، وليس كذلك كما سيأتي وظاهره أيضا ، أنه لا فرق بين أن يكون سكره من الخمر أو الأشربة المتخذة من الحبوب والفواكه والعسل ، وفي ذلك اختلاف والمختار ، أنه ليس كالصاحي لعدم الحد فلا تنفذ تصرفاته كما لا تنفذ تصرفات من زال عقله بالبنج

                كما في البحر للمصنف رحمه الله وفي الفتاوى الظهيرية : السكران من الخمر والأشربة المتخذة من التمر والزبيب نحو النبيذ المثلث وغيرهما ، عندنا ينفذ تصرفاته كالطلاق والعتاق ، والإقرار بالدين والعين وتزويج الصغير والصغيرة ، والإقراض والاستقراض والهبة والصدقة إذا قبضها الموهوب له ، والمتصدق عليه ، وبه أخذ عامة المشايخ .

                وعن [ ص: 118 ] أبي بكر بن أحمد أنه قال : ينفذ من السكران كل ما ينفذ مع الهزل ولا يبطله الشرط فلا ينعقد منه البيع والشراء ( انتهى ) .

                وظاهره أيضا : سواء كان طائعا في الشرب أو مكرها .

                وهو قول في وقوع الطلاق إذا سكر بالشرب مكرها ، والصحيح أنه لا يقع ، كما لا يجب عليه الحد .

                وظاهر كلامه أيضا أن تصرفات من سكر بالبنج نافذة ; لأنه داخل تحت عموم السكران ، وليس كذلك على ما صححه في الخانية ، فيقيد كلامه بالسكران من غير البنج ، وفي تصحيح القدوري للعلامة قاسم نقلا عن الجواهر : في هذا الزمان إذا سكر من البنج يقع طلاقه زجرا وعليه الفتوى .

                وفي النهاية : الفتوى على أنه يحد شاربه لفشو هذا الفعل في هذا الزمان فيما بين الناس ( انتهى ) .

                وفي البزازية : أن من شرب البنج إن كان يعلم حين شربه أنه ما هو فطلق امرأته يقع ، وإن لم يعلم لا .

                قال قاضي خان : والصحيح أنه لا يقع على كل حال ; لأنه شرب للدواء والتعليل ينادي بحرمته لا للدواء ، ولو من الأشربة من الحبوب والعسل فسكر ; المختار في زماننا لزوم الحد ، لأن الفساق يجتمعون عليه وكذا المختار : وقوع الطلاق ; لأن الحد يحتال لدرئه والطلاق يحتاط فيه ، فلما وجب ما يحتال ; لأن يقع ما يحتاط أولى ، وقد طالب صدر الإسلام البزدوي بالفرق بينه وبين السكر من المباح كالمثلث فعجز ، ثم قال : وجدت نصا صريحا على لزوم الحد ( انتهى ) .

                وعليه فلا يحتاج كلام المصنف إلى التقييد ، وهذا ظاهر ينبغي اعتماده

                وقد صرح الحدادي بحرمة أكل البنج فيظهر الزجر فيه لذلك ، والجواب عند المصنف رحمه الله فيما عدا هذا أنه أطلق اعتمادا على ما يأتي في أحكام السكران . ( 2 )

                قوله : إلا في الإقرار إلخ .

                فلا يكون كالصاحي لزيادة احتمال الكذب في إقراره ، فيحتال لدرء الحد ; لأنه خالص حق الله تعالى ، ويفهم من تقييده الحدود بالخالصة أن في إقراره بحد القذف يكون كالصاحي .

                وبه صرح في العمادية فقال : وإذا أقر بشيء من الحدود لم يحد إلا في حد القذف ، يعني لأن فيه حق العبد ، والسكران في حق العبد كالصاحي

                وذكر الصدر الشهيد في الجامع الصغير : السكران يلحق بالصاحي في سائر الحقوق سوى حق الله تعالى عقوبة له ( انتهى ) .

                وذكر فيها : وإذا أقر أنه سكر من الخمر طائعا لم يحد حتى يصحو فيقر أو تقوم عليه البينة




                الخدمات العلمية