الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                29 - المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عنده ; فلا تقبل شهادته كما في البزازية في المعتق في المرض .

                وجنايته جناية المكاتب كما في الكافي . [ ص: 144 - 145 ]

                وفرعت عليه لا يجوز نكاحه ما دام يسعى وعندهما حر مديون في الكل

                التالي السابق


                ( 29 ) قوله :

                المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام إلخ .

                قال المصنف في البحر : اعلم أن المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام وعندهما حر مديون فتفرع الأحكام فلا تقبل شهادته ولا يزوج نفسه ، كما في المجمع من الجنايات .

                ولو ترك مدبرا فقتل خطأ وهو يسعى للوارث فعليه قيمته لوليه ، وقال : ديته على عاقلته ( انتهى ) .

                وعلله بما ذكرناه وكذا المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عندهم فلا تقبل شهادته كما في شهادات البزازية وحكم [ ص: 144 ] جناياته كجنايات المكاتب كما في شرح المجمع للمصنف ( انتهى ) .

                قال بعض المحققين من المتأخرين : قد صدرت تلك العبارات وهي مخالفة لنص الإمام ، وإن ورد مثلها مسندا للإمام فقد اختلف عنه النقل ولم يحرره الأعلام .

                والمقرر أن الخلاف بين الإمام وصاحبيه في تجزي الإعتاق وعدمه فيمن أعتق بعضه لا فيمن أعتق كله معلقا على شرط فوجده في مرضه أو صحته وسعايته بعده سعاية حر مديون ، كالمدبر إذا لم يخرج من الثلث .

                وقوله هنا وفي البحر : المدبر كالمكاتب في زمن سعايته ، ليس التحقيق وإن ورد منقولا عن الإمام كما تقدم قال في السراج : المستسعي عند الإمام على ضربين : كل من يسعى في تخليص رقبته فهو كالمكاتب ، وكل من يسعى في بدل رقبته الذي لزمه بالعتق أو في قيمة رقبته لأجل بدل شرط عليه ، أو لدين ثبت في رقبته فهو كالحر ( انتهى ) .

                ومثله في الإيضاح والمصفى وشرح منظومة النسفي لأبي البركات : ولا شك أن المدبر عتق كله بموت المولى فهو وإن سعى يسعى وهو حر ، فلم يكن كالمكاتب فجعل المدبر حال سعايته كالمكاتب في هذا الكتاب وفي البحر ليس محررا ، فإن المكاتب رقيق حال سعايته ، وذلك بنص الشارع .

                المكاتب قن ما بقي عليه درهم والمدبر حر من الثلث ، ولهذا قصر التشبيه به على معتق البعض ، الإمام الأجل أبو بكر الرازي في شرح الجامع الكبير فقال : والمعتق بعضه عند الإمام كالمكاتب في حدوده وأرش جنايته ميراثه وشهادته ، وذكر الدليل ثم قال : والمعنى الجامع بينهما أن سعايته لأجل الخلاص من رقه ( انتهى ) .

                فأفاد بمفهومه أن من سعى لدين لزمه لا لفك رقبته ليس كالمكاتب ; لأنه حر مديون كالمدبر فعلم بذلك أن قول المصنف رحمه الله تعالى هنا وفي البحر : المدبر في زمن سعايته كالمكاتب عند الإمام ليس محررا ، لأن المدبر حر مديون يسعى لوفاء دينه لا لفك رقبته ، فما فرعه من قوله فلا تقبل شهادته ولا يزوج نفسه عند الإمام ليس مسلما إسناده ، وإن وقع في بعض الكتب يؤول لما قدمنا وقوله في البحر كما في المجمع من الجنايات ونصه : لو ترك مدبرا فقتل خطأ أو يسعى للوارث فعليه قيمته . ( انتهى ) .

                وقد يقال : إن هذا متفرع على ما قيل : إن المستسعى كالمكاتب وليس ذلك على عمومه فلا يتناول المدبر ، لأن جنايته حال سعايته جناية حر فديته على عاقلة مولاه لنزول حريته بموت مولاه .

                وقوله في البحر هكذا في الكافي وعلله بما قدمنا يعني أن المدبر كالمكاتب فلا نسلم أن مجرد تشبه المدبر بالمكاتب يوجب أن يكون حال [ ص: 145 ] سعايته رقيقا ، للنص على حرية المدبر بمجرد موت سيده .

                وصاحب الكافي قد ذكر في شرح المنظومة ما يخالفه كما قدمناه وهو الحق الذي لا يعدل عنه لظهور وجهه بنص الشارع .

                روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث }

                قال الزيلعي : فانعقد التدبير سببا في الحال للعتق وتعلق بمطلق المولى فيعتق بعد موت المولى بكلامه لا بكلام آخر ، فاستحال توقفه على شيء غير شرطه ، فمن نص على توقف عتقه كلا أو بعضا إلى أداء السعاية لم يحرر المناط ، فلا يعول عليه ، ووجه عدم تسليم إسناده للإمام أنه قد يكون مأخوذا من التشبيه في حال السعاية بالمكاتب .

                كما قال بعضهم : المستسعى كالمكاتب وليس ذلك على إطلاقه ولئن سلم وصح نقله عن الإمام نصا فقد اختلف النقل ، والوجه الموافق نص الشارع وقوله في البحر : وهكذا المنجز عتقه في مرض الموت إذا لم يخرج من الثلث فإنه في زمن سعايته كالمكاتب عنده فلا تقبل شهادته كما في شهادة البزازية ، ولم أره فيها . وعبارته لا تقبل شهادة المدبر ( انتهى ) .

                ووصفه بالمدبر حقيقة إنما هو في حياة سيده وأما بعد موته فهو حر مقبول الشهادة .

                وقد تلخص مما قدمناه محررا أن المدبر إذا لم يخرج من الثلث يسعى وهو حر وأحكامه أحكام الأحرار ، وكذا المعتق في مرض الموت والمعتق على مال أو خدمة إذا قبل المال والخدمة حر له أحكام الأحرار ( انتهى ) .

                وهو حقيق بالقبول حقيق بالعض عليه بالنواجذ ; ولله در العلامة ابن مالك حيث يقول في خطبة كتابه التسهيل : وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يظهر لكثير من المتأخرين ما خفي على كثير من المتقدمين .

                ( 30 ) قوله :

                وفرعت عليه لا يجوز نكاحه ما دام يسعى إلخ .

                أقول لا يخفى عدم صحة التفريع المذكور لما قدمناه من عدم تسليم إسناد الأصل المفرع عليه إلى الإمام والله تعالى أعلم




                الخدمات العلمية