الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                الأشباه والنظائر على مذاهب أبي حنيفة النعمان

                ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                صفحة جزء
                278 - تقبل الشهادة حسبة بلا دعوى 279 - في طلاق المرأة [ ص: 403 ] وعتق الأمة 281 - والوقف ، [ ص: 404 ] وهلال رمضان ، وغيره إلا هلال الفطر والأضحى ، [ ص: 405 ] والحدود إلا حد القذف والسرقة . 284 - واختلفوا في قبولها بلا دعوى في النسب كما في الظهيرية من النسب ، وجزم بالقبول ابن وهبان ، 285 - وفي تدبير الأمة وحرمة المصاهرة ، 286 - والخلع ، [ ص: 406 ] والإيلاء ، والظهار 288 - ولا تقبل في عتق العبد بدون دعواه عنده خلافا لهما . 289 - واختلفوا على قوله في الحرية الأصلية ، والمعتمد لا .

                التالي السابق


                ( 278 ) قوله : تقبل الشهادة حسبة بلا دعوى . يعني ويقضى بها .

                ( 279 ) قوله : في طلاق المرأة . يعني سواء كانت حرة أو أمة في النهاية تقيد القبول بما إذا كان الزوج حاضرا أما إذا كان غائبا فلا . قال الشيخ عبد البر بن الشحنة في شرح المنظومة : وكذا حضور المولى في صورة الأمة ، ولكن لا يشترط حضور المرأة ليشير إليها الشهود ( انتهى ) .

                أقول : لا وجه لتخصيص المرأة إذ الأمة [ ص: 403 ] كذلك يحتاج إلى حضورها ليشير إليها إلا أن يراد من المرأة ما تعم الحرة والأمة ، وإن كان العرف خصص لفظ المرأة بالحرة . ( 280 ) قوله : وعتق الأمة . الفرق بينهما وبين مسألة العبد الآتية ، أن هذه شهادة بحرمة الفرج ، وهو حق الله تعالى بخلاف العبد . وفي العمادية هل يحلف حسبة في عتق الأمة وطلاق المرأة . أشار محمد رحمه الله في باب التحري أنه يحلف . كذا في شرح القدوري وذكر السرخسي في مقدمة باب السلسلة أنه لا يحلف فتأمله عند الفتوى كذا في شرح المنظومة للشيخ عبد البر بن الشحنة .

                ( 281 ) قوله : والوقف . قال قاضي خان : رجل باع أرضا ثم ادعى أنه كان وقفها قبل البيع ، وأراد تحليف المدعى عليه ليس له ذلك عند الكل ; لأن التحليف يعتمد صحة الدعوى ، ودعواه لم تصح لمكان التناقض ، وإن أقام البينة على ما ادعاه اختلفوا فيه قال بعضهم : لا تقبل بينته ; لأنه متناقض ، وقال بعضهم : تقبل بينته ; لأن التناقض لا يمنع الدعوى .

                وعلى قول الفقيه أبي جعفر : الدعوى لا تشترط في الوقف ; لأن الوقف حق الله تعالى . وهو التصدق بالغلة فلا يشترط فيه الدعوى كالشهادة على الإطلاق وعتق الأمة إلا أنه إذا كان هناك موقوف عليه مخصوص ولم يدع لا يعطى من الغلة شيء ، وتصرف جميع الغلة إلى الفقراء ; لأن الشهادة قبلت لحق الفقراء فلا تظهر إلا في حق الفقراء .

                قال - يعني - قاضي خان : وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل بأنه إن كان الوقف على قوم بأعيانهم لا تقبل البينة عليه بدون الدعوى عند الكل ، وإن كان الوقف على الفقراء أو على المسجد على قول أبي يوسف ومحمد تقبل البينة بدون الدعوى ، وعلى قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله لا تقبل ( انتهى ) .

                قال العلامة ابن وهبان : وهذا التفصيل غير محتاج إليه ; لأن الوقف وإن كان على قوم بأعيانهم وأخره فلا بد أن يكون لجهة بر لا تنقطع كالفقراء وغيرهم ، فالشهادة تقبل لحقهم إما حالا وإما مآلا ( انتهى ) .

                ورده الشيخ عبد البر بن الشحنة بأنه لا بد من هذا التفصيل ; لأن البينة إذا قامت بأن هذا وقف يستحقه قوم بأعيانهم لا بد فيه من الدعوى لثبوت استحقاقهم [ ص: 404 ] وتناولهم ، وإن كان آخره ما ذكر بخلاف ما إذا قامت على أنه وقف على الفقراء والمسجد ونحو ذلك . ونقل في العمادية عن فتاوى رشيد الدين هذا التفصيل قال : وكذا فصل الإمام الفضلي وهو المختار وهو فتوى أبي الفضل الكرماني . وقد رأيت عن صاحب الذخيرة وفتاوى النسفي قد ذكر أن الشهادة على الوقف صحيحة بدون الدعوى مطلقا ، وهذا الجواب على الإطلاق غير صحيح وإنما الصحيح أن كل وقف هو حق الله تعالى فالشهادة عليه صحيحة بدون الدعوى ، وكل وقف هو حق العباد فالشهادة لا تصح بدون الدعوى ، ونقل في التتارخانية عن فتاوى التجنيس في مسألة البيع أنه تسمع الدعوى ، وينقض البيع ، وبه أخذ الصدر الشهيد وقال بعض الناس : لا تقبل البينة ولكن لا نأخذ به .

                وفي العمادية عن الفقيه أبي الليث أنه يأخذ بسماع البينة ونقض البيع وقيل لا تقبل والأول أصح . ( 282 ) قوله : وهلال رمضان وغيره إلخ . أيوالشهادة على رؤية هلال رمضان وغيره مما فيه حق الله تعالى خالصا . قال قاضي خان الذي ينبغي أن لا يشترط كما لا يشترط في عتق الأمة وطلاق الحرة عند الكل وعتق العبد في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله . وفي الوقف على قول أبي جعفر وعلى قياس قول أبي حنيفة رحمه الله ينبغي أن يشترط الدعوى في هلال الفطر وهلال رمضان ، كما في عتق العبد عنده والمصنف طرد ذلك في غير رمضان كرجب وشعبان وغيرهما إذا قصد بإثباته أمر ديني خالص لله تعالى كأن يغم هلال رمضان فيحتاج إلى إثبات أو شعبان فلو غما يحتاج إثبات هلال رجب ، وهلم جرا . وفي العمادية عن فتاوى رشيد الدين أن الشهادة بهلال عيد الفطر لا تقبل بدون الدعوى ، وفي الأضحى اختلاف المشايخ فبعضهم قاسوا على هلال الفطر . وفي العدة : ينبغي أن يشترط الدعوى ولفظ الشهادة في هلال شوال أما رمضان فقال السرخسي رحمه الله : لا يشترط لفظ الشهادة فيه وقال خواهر زاده يشترط : وكذا في الأضحى . وقال : في الظهيرية وهل يشترط الحكم لثبوت ذلك . قال محمد رحمه الله : لا نص بهذا في الكتاب وينبغي أن لا يشترط بل يكفي الأمر بالصوم والخروج إلى المصلى . [ ص: 405 ] قوله : والحدود ليس معطوفا على هلال الفطر كما يوهمه ظاهر العبارة بل على الطلاق ; لأن حد الزنا والسكر خالص حق الله تعالى كالطلاق وما عطف عليه .

                ( 284 ) قوله : واختلفوا في قبولها بلا دعوى في النسب إلخ . حكي عن صاحب المحيط القبول من غير دعوى ; لأنه يتضمن حرمات كلها لله تعالى ، حرمة الفروج وحرمة الأمومة والأبوة فتقبل كما في عتق الأمة ; وقيل : لا تقبل من غير خصم . ونقل عن القنية : الشهادة على دعوى المولى بنسب عبد تقبل من غير دعوى . قال ابن وهبان : والظاهر أن الجواز يخرج على قولهما وعدمه على قياس قول الإمام رحمه الله . ( 285 ) قوله : وفي تدبير الأمة . في القنية قاسها على عتق العبد ; لأنه قال : تقبل على قول أبي حنيفة رحمه الله بدون الدعوى ، كالشهادة على العتق . وقد جعل ابن وهبان القبول يختلف بالنسبة إلى الأمة والعبد كما في عتقهما فتقبل في الأمة عند الكل وفي العبد يجري الخلاف ; قال الشيخ عبد البر بن الشحنة : عندي في هذا التخريج نظر فإن الموجب للقبول بدون الدعوى عند الإمام كون ذلك محض حق الله تعالى ، كما في عتق الأمة ; لأنها شهادة بحرمة الفرج ، وهما حق الله تعالى ; وذلك لا توجد في تدبير الأمة أعني حرمة الفرج على المولى فيكون من الحقوق المشتركة فيشترط له الدعوى عنده ولا يشترط عندهما فتأمله ، اللهم إلا أن يقال أنه يتضمن حرمة الفرج عند موت السيد ( انتهى ) . وظاهر صنيع المصنف ، رحمه الله ، أن تدبير الأمة على الخلاف فإنه معطوف على قوله في النسب وهو مختلف فيه لكن يشكل عطف الخلع عليه فإنه لا خلاف فيه كما سيذكره .

                ( 286 ) قوله : والخلع . قال في القنية : الشهادة على الخلع بدون دعوى المرأة مقبولة كما في الطلاق ، وعتق الأمة ويسقط المهر عن ذمة الزوج ويدخل المال في هذه الشهادة تبعا ( انتهى ) . قال العلامة ابن الشحنة : وهذه اتفاقية . [ ص: 406 ] قوله : والإيلاء والظهار . ذكر العلامة ابن الشحنة أن في الشهادة بحرمة المصاهرة والإيلاء والظهار يشترط أن يكون المشهود عليه حاضرا . نقل ذلك في العمادية قال : وبعضهم قال : لا تقبل بدون الدعوى ; والإيلاء والظهار مذكوران في فتاوى رشيد الدين . ( 288 ) قوله : ولا تقبل في عتق العبد إلخ . فإن دعواه شرط عنده كما إذا شهد شاهدان على رجل بعتق عبده ، والعبد والمولى ينكران ذلك ، لا تقبل الشهادة عند الإمام وقالا : تقبل . وفي الحقائق : قد تحقق الدعوى حكما بأن يقطع العبد يد حر ، فقال الحر : أعتقك مولاك قبل الجناية ولي عليك القصاص ، فأنكر العبد والمولى ذلك ، تقبل بينته ويقضي بعتقه ; لأن دعوى المجني عليه العتق قائم مقام دعوى العبد حكما . ثم اعلم أن الشهادة بلا دعوى مقبولة في حقوق الله تعالى ; لأن القاضي يكون نائبا عن الله تعالى فتكون شهادة على خصم فتقبل ، وغير مقبولة في حقوق العبد ، وهذا أصل متفق عليه لكن الغالب عندهما في حقوق العبد حق الله تعالى ; لأن سبب الملكية وهي الحرية يتعلق بها حقوق الله تعالى من وجوب الزكاة والجمعة وغيرهما .

                يعني كالعيد والحج والحدود ولذا لم يجز استرقاق الحر برضاه لما فيه من إبطال حق الله تعالى فتقبل بدون الدعوى والغالب عنده حق العبد ; لأن نفع الحرية عائد إليه من ملكيته وخلاصه من كونه مبتذلا ، كالمال فلا يقبل بدون الدعوى كذا في شرح المجمع لابن الملك .

                ( 289 ) قوله : واختلفوا على قوله في الحرية ، والمعتمد لا أقول نقل صاحب العمادية عن فتوى رشيد الدين أن الخلاف إنما هو في الشهادة القائمة على العتق من جهة المولى أما لا خلاف أنه إذا شهد أنه حر الأصل أنها تقبل بدون الدعوى ; لأنها شهادة بحرية الأمة فهي شهادة بحرمة الفرج فتقبل . ثم نقل عن صاحب المحيط أنه حكى في شرحه للجامع الصغير أن الصحيح اشتراط الدعوى في ذلك عند الإمام كما في العتق [ ص: 407 ] العارض وأن التناقض لا يمنع صحة الدعوى ولا صحة الشهادة فيها ، ونقل عن متفرقات شهادات المحيط وقال : إنه لا يحلف على عتق العبد حسبة بدون الدعوى بالاتفاق .




                الخدمات العلمية