تفسير سورة براءة وهي مدنية كلها .
قال يحيى : وحدثني ، عن أبو الجراح المهري عوف ، عن ، يزيد الفارسي قال : قلت ابن عباس : كيف جعلتم الأنفال وهي من المئين مع براءة وهي من الطوال ، ولم تكتبوا بينهما سطر " بسم الله الرحمن الرحيم " ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات ، وأقل من ذلك وأكثر ، فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا من موضع كذا وكذا ، وإنه قبض ولم يقل لنا في الأنفال شيئا ، ونظرنا فرأينا قصصهما متشابها ، فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم لعثمان بن عفان . عن
براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين
[ ص: 192 ] قوله : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين يقول لنبي الله وأصحابه : براءة العهد الذي كان بين رسول الله وبين مشركي العرب فسيحوا في الأرض أي : اذهبوا أربعة أشهر يقوله لأهل العهد من المشركين واعلموا أنكم غير معجزي الله سابقي الله حتى لا يقدر عليكم وأن الله مخزي الكافرين .
وأذان من الله ورسوله أي : وإعلام من الله ورسوله .
إلى الناس يوم الحج الأكبر وهو يوم النحر أن الله بريء من المشركين ورسوله إن لم يؤمنوا .
تفسير : أقبل رسول الله من مجاهد تبوك حين فرغ منها ؛ فأراد أن يحج ، ثم قال : إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة ، ولا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك . فأرسل أبا بكر وعليا فطافا في الناس بذي المجاز ، وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون فيها ، وبالموسم كله ، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة [أشهر] من يوم النحر إلى عشر ليال يمضين من شهر ربيع الآخر ، ثم لا عهد .
وقال : إن قتادة أبا بكر أمر على الحاج يومئذ ، ونادى علي فيه بالأذان ، وكان عاما حج فيه المسلمون والمشركون .
[ ص: 193 ] وقال الحسن : أبا بكر أن يؤذن الناس بالبراءة ، فلما مضى دعاه ، فقال : إنه لا يبلغ عني في هذا الأمر إلا من هو من أهل بيتي " كان النبي قد أمر .
قال : قال بعض العلماء : إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم محمد عليا بذلك دون أبي بكر ؛ لأن العرب كانت جرت عادتهم في عقد عهودها لو نقضتها أن يتولى ذلك على القبيلة رجل منها ، فكان جائزا أن تقول العرب : [إذن عليك] نقض العهود من الرسول ، هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود ؛ فأزاح صلى الله عليه وسلم العلة ، وكان هذا في سنة تسع من الهجرة ، بعد افتتاح مكة بسنة .
قال : قوله : محمد براءة يجوز الرفع فيها على وجهين :
أحدهما : على خبر الابتداء ؛ على معنى هذه الآيات : براءة من الله ورسوله .
وعلى الابتداء ، ويكون الخبر إلا الذين عاهدتم .
قوله : فإن تبتم يقول للمشركين : فإن تبتم من الشرك فهو خير لكم وإن توليتم عن الله ورسوله .
فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم يعني : القتل قبل عذاب الآخرة ، ثم رجع إلى قصة أصحاب العهد ؛ فقال : إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا أي : لم يضروكم ولم يظاهروا يعاونوا عليكم أحدا من المشركين فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم .
[ ص: 194 ]