ذكر الشام خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى
حدثنا ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا قراد أبو نوح، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، أبي موسى ، قال: أبو طالب إلى الشام، وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب، وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج [ ص: 43 ] إليهم، ولا يلتفت، فأتاهم وهم يحلون رواحلهم وأحلاسهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ قال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به، وكان هو صلى الله عليه وسلم في رعية الإبل، قال: أرسلوا إليه، فأقبل، وعليه غمامة تظله، فقال: انظروا إليه عليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال عليه، قال: فبينما هو قائم عليهم، وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم، فإن الروم لو رأوه عرفوه بالصفة [ ص: 44 ] فقتلوه، فالتفت، فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم، فاستقبلهم، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر، فلم يبق طريق إلا وقد بعث إليه ناس، وإنا أخبرنا بخبره فبعثنا إلى طريقك هذا، فقال لهم: أفرأيتم أمرا إذا أراد الله أن يقضه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، فتابعوه، وأقاموا معه، قال: فأتاهم، فقال لهم: أنشدكم بالله، أيكم وليه؟ قال أبو طالب: أنا، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب، وبعث معه أبو بكر وزوده الراهب من الكعك والزيت بلالا، . خرج
قال فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حاتم: بمكة، وكانت سفرته الثانية بعدها مع ميسرة غلام ثم خديجة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، خديجة بنت خويلد بن أسد، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخويلد هو ابن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب، وكانت قبل أن يتزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي هالة أخي بني [ ص: 45 ] تميم، ثم كانت تحت عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان السبب في ذلك أن كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكريم أخلاقه بعثت إليه، وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى خديجة الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج في مالها معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام، نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب إلى ميسرة، فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج [ ص: 46 ] بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلا إلى مكة، ومعه ميسرة، فكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ظلا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على بمالها باعت ما جاء به، وأخبرها خديجة ميسرة عن قول الراهب، وعن ما كان من أمر الإظلال، وكانت امرأة حازمة شريفة لبيبة، فلما أخبرها خديجة ميسرة بما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: إني قد رغبت فيك، وفي قرابتك، وفي أمانتك، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك صلى الله عليه وسلم لأعمامه، فخرج معه خديجة عمه حتى دخل على حمزة بن عبد المطلب خويلد بن أسد فخطبها إليه، فزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولد له منها: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، والقاسم، [ ص: 47 ] وكان به يكنى، والطاهر، والطيب، فهلكوا قبل الوحي.
وأما البنات فكلهن أسلمن، وهاجرن إلى المدينة، وكانت قد ذكرت خديجة لورقة بن نوفل بن أسد، وكان ابن عمها، وكان نصرانيا قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب، وما كان من الإظلال عليه، فقال ورقة: إن كان هذا حقا يا إن خديجة، محمدا لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن بهذه الأمة نبي سيظهر في هذا الوقت.