الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
استخلاف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو حفص العدوي ، وأم عمر : حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبي جهل بن هشام .

حدثنا محمد بن القاسم الدقاق بالمصيصة ، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، ثنا هارون بن زياد الحنائي ، ثنا الحارث بن عمير ، عن حميد ، عن أنس قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر   " .

[ ص: 191 ] قال أبو حاتم : فلما حانت منية أبي بكر - رحمة الله عليه - اغتسل قبلها يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة ، وكان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما ، حتى قطعته العلة عن حضور الصلاة ، وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس ، وكان الناس يعودونه وهو في منزله الذي أقطع له النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاه دار عثمان بن عفان اليوم ، فبينا هو في ليلة من الليالي عند نسائه أسماء بنت عميس ، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير ، وبناته أسماء وعائشة ، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر إذ قالت عائشة : أتريد أن تعهد إلى الناس عهدا ؟ قال : نعم . قالت : فبين للناس حتى يعرفوا الوالي بعدك . قال : نعم . قالت عائشة : إن أولى الناس بهذا الأمر بعدك عمر ، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر : إن قريشا تحب ولاية عثمان بن عفان ، وتبغض ولاية عمر لغلظه ، فقال أبو بكر : نعم الوالي عمر ، وما هو بخير له أن يلي أمر أمة محمد ، أما إنه لا يقوى عليهم غيره ، إن عمر رآني لينا فاشتد ، ولو كان واليا للان لأهل اللين واشتد على أهل الريب ، فلما أصبح دعا نفرا من المهاجرين والأنصار يستشيرهم في عمر ، منهم عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، فقال لعبد الرحمن بن عوف : [ ص: 192 ] يا أبا محمد ، أخبرني عن عمر ، فقال : يا خليفة رسول الله ، هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ، ولكن فيه غلظة ، فقال لعبد الرحمن بن عوف : ذلك لأنه رآني لينا فاشتد ، ولو آل إليه الأمر لترك كثيرا مما هو عليه اليوم ، إني إذا غضبت على الرجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه ، لا تذكر يا أبا محمد مما ذكرت لك شيئا ، قال : نعم . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : يا أبا عبد الله ، أخبرني عن عمر ، فقال : أنت أخبر به ، فقال أبو بكر : فعلي ذلك ، قال : إن علمي أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله ، قال : يرحمك الله يا أبا عبد الله ، لا تذكر مما ذكرت لك شيئا ، قال : أفعل ، فقال له أبو بكر : لو تركته ما عدوتك ، وما أدري لعلي تاركه ، والخيرة له أن لا يلي أمركم ، ولوددت أني خلو من أمركم ، وأني كنت فيمن مضى من سلفكم ، ثم قال لعثمان : اكتب : هذا ما عهد عليه أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين ، أما بعد ، ثم أغمي عليه فذهب عنه ، فكتب عثمان : أما بعد ، فقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا ، ثم أفاق أبو بكر فقال : اقرأ علي ، فقرأ عليه ذكر عمر ، فكبر أبو بكر فقال : جزاك الله عن الإسلام خيرا ، ثم رفع أبو بكر يديه [ ص: 193 ] فقال : اللهم وليته بغير أمر نبيك ، ولم أرد بذلك إلا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة ، فعملت فيهم بما أنت أعلم به ، وقد حضر من أمري ما قد حضر ، فاجتهدت لهم الرأي ، فوليت عليهم خيرهم لهم ، وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على رشدهم ، ولم أرد محاماة عمر ، فاجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدي نبي الرحمة وهدي الصالحين بعده ، وأصلح له رعيته . وكتب بهذا العهد إلى الشام إلى المسلمين إلى أمراء الأجناد أن قد وليت عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا .

وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس .

ثم نادى عمر بن الخطاب فقال له : إني مستخلفك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا عمر : إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار ، وحقا في النهار لا يقبله في الليل ، وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، يا عمر إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه غير الحق أن يكون ثقيلا ، يا عمر ، [ ص: 194 ] إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل ، وحق لميزان لا يوضع فيه غير الباطل أن يكون خفيفا ، يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة ، وآية الشدة مع آية الرخاء ، ليكون المؤمن راغبا راهبا ، فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله فيها ما ليس لك ، ولا ترهب رهبة تلقي فيها يديك ، يا عمر ، إنما ذكر الله أهل النار بأسوأ أعمالهم ردا عليهم ما كان من خير ، فإذا ذكرتهم قلت : لأرجو أن لا أكون منهم ، وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم عما كان من سيئ ، فإذا ذكرتهم قلت : أي عمل من أعمالهم أعمل ، فإن حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الحاضر من الموت ، ولست بمعجزه .

التالي السابق


الخدمات العلمية