الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم كانت وقعة الجسر ،  وذلك أن المثنى بن حارثة الشيباني قدم على عمر بن الخطاب من العراق وقال : يا أمير المؤمنين ، إنا بأرض فارس قد نلنا منهم واجترأنا عليهم ، ومعي من قومي جماعة ، فابعث معي ناسا من المجاهدين والأنصار يجاهدون في سبيل الله ، فقام عمر بن الخطاب [ ص: 200 ] فحمد الله وأثنى عليه ، ثم دعا الناس إلى الجهاد ورغبهم فيه ، وقال : إنكم أيها الناس قد أصبحتم في دار غير مقام بالحجاز ، وقد وعدكم الله على لسان نبيه كنوز كسرى وقيصر ، فسيروا إلى أرض فارس ، فسكت الناس لما ذكرت فارس ، فقام أبو عبيد بن مسعود الثقفي فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أول من انتدب من الناس ، حتى اجتمعوا وأجمعوا على المسير ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ، اجتمع الناس ، أمر عليهم رجلا من المهاجرين أو من الأنصار ، فقال : لا أؤمر عليهم إلا أول من انتدب منهم ، فأمر أبا عبيدة فقال : إنه لم يمنعني أن أستعمل عليهم سليط بن قيس إلا أنه رجل فيه عجلة إلى القتال ، فأخاف أن يوقع الناس موقعا يهلككم ، فاستشره ، ثم سار أبو عبيد مع المثنى بن حارثة الشيباني والمسلمون معهما ، حتى إذا انتهى إلى بلاد قومه قام معه ربيعة فسار بهم وسار أبو عبيد بالناس حتى نزلوا باليمن ، وفيها مصلحة الأعاجم ، فاقتتلوا بها قتالا شديدا ، فانهزمت العجم ، ثم بعث أبو عبيد بمن معه من المسلمين فالتقيا ، فاقتتلوا فهزم الجالنوس وأصحابه ، ودخل أبو عبيد باروسما حصنا لهم ، ونزل هو وأصحابه فيه .

[ ص: 201 ] ثم بعث الأعاجم ذا الحاجب ، وكان رئيس الأعاجم رستم ، فلما بلغ أبا عبيد مسيرهم إليه انحاز بالناس حتى عبر الفرات ، فنزل في المروحة ، وأقبلت الأعاجم حتى نزلت خلف الفرات ، ثم إن أبا عبيد حلف : ليقطعن إليهم الفرات ، فناشده سليط بن قيس وقال : أنشدك الله في المسلمين أن تدخلهم هذا المدخل ، فإن العرب تفر وتكر ، فاجعل للناس مجالا ، فأبى أبو عبيد وقال : جبنت والله يا سليط ! قال : والله ما جبنت ، ولكن قد أشرت عليك بالرأي فاصنع بما بدا لك ، فعمد أبو عبيد إلى الجسر الذي عقد له ابن صلوبا ، فعبر عليه المسلمون ، فلما التقوا شد عليهم الفيل ، فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل قال : هل لهذه الدابة من مقتل ؟ قالوا : نعم ، إذا قطع مشفرها ماتت ، فشد على الفيل فضرب مشفره ، فبرك عليه الفيل فقتله ، وهرب المسلمون منهزمين فسبقهم عبد الله بن مرثد الخثعمي إلى الجسر فقطعه ، فقال له الناس : لم فعلت هذا ؟ قال : لتقاتلوا عن أميركم .

ولما قتل أبو عبيد أخذ الراية المثنى بن حارثة ، فانحازوا ورجعت الفرس ، ونزل المثنى بن حارثة أليس ، وتفرق الناس فلحقوا بالمدينة [ ص: 202 ] فأول من قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن حصين الخطمي ، فجزع المسلمون من المهاجرين والأنصار بالفرار ، وكان عمر يقول : لا تجزعوا أنا فئتكم إنما انحزتم إلي .

وكان ممن قتل بالجسر : أبو عبيد بن مسعود الثقفي ، وابنه جبر بن أبي عبيد ، وأسعد بن سلامة ، وسلمة بن أسلم بن حريش ، والحارث بن عدي بن مالك ، والحارث بن مسعود بن عبدة ، ومسلم بن أسلم ، وخزيمة بن أوس ، وأنيس بن أوس بن عتيك بن عامر ، وعمر بن أبي اليسر ، وسلمة بن قيس ، وزيد بن سراقة بن كعب ، والمنذر بن قيس ، وضمرة بن غزية بن عمرو ، وسهل بن عتيك ، وثعلبة بن عمرو بن محصن ، وحج بالناس عمر بن الخطاب السنة الرابعة عشرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية