فلما دخلت السنة السابعة عشرة : عمر إلى البلدان بمواقيت الصلاة ، ووضع ما بين مكة والمدينة مياها للسابلة ، واتخذ دارا بالمدينة وجعل فيها الدقيق والسويق للمنقطع والضيف إذا نزل . كتب
وولى عمر المغيرة على البصرة ، فسار المغيرة إلى الأهواز فصالحوه على ألفي ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ، ثم ارتدوا فغزاهم بعد ذلك إلى أن افتتحها ، يقال : عنوة ، وقد قيل : صلحا . أبو موسى الأشعري
وبعث أبو عبيدة بن الجراح عمرو بن العاص إلى قنسرين فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية ، وافتتح سائر أرض قيصر عنوة ، ويقال : إن في هذه السنة افتتح أبو موسى الأشعري الرهاء وسميساط صلحا .
ثم عمر الخروج إلى الشام ، فخرج حتى إذا بلغ سرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل ابن حسنة ، وأخبروه أن الأرض وبية ، فقال أراد عمر اجمع إلي المهاجرين الأولين ، فجمعهم له واستشارهم ، فاختلفوا [ ص: 215 ] عليه ، فمنهم القائل : خرجت لوجه تريد فيه الله والدار الآخرة ، ولا نرى أن نصدك عنه ، ومنهم من يقول : لا نرى أن تقدم عليه وتقدم الناس ، فلما اختلفوا عليه قال : قوموا عني ، ثم جمع الأنصار واستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين ، فلما اختلفوا عليه قال : قوموا عني ، ثم جمع مهاجرة الفتح فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان ، قالوا جميعا : ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء ، فقال لابن عباس : عمر أخبر الناس أن أمير المؤمنين يقول : إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه ، فأصبح لابن عباس : عمر على ظهر وأصبح الناس عليه ، فقال : أيها الناس إني راجع فارجعوا ، فقال له يا أمير المؤمنين ، أفرارا من قدر الله ؟ قال : نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله ، لو غيرك قالها يا أبو عبيدة بن الجراح : أبا عبيدة ، أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان : إحداهما خصبة ، والأخرى جدبة ، أليس يرعى من يرعى الجدبة بقدر الله ، ويرعى من يرعى الخصبة بقدر الله ؟ ثم خلا به بناحية دون الناس ، فبينا الناس على ذلك إذ لحقهم وكان متخلفا ولم يشهد معهم يومهم بالأمس ، فقال : ما شأن الناس ؟ فأخبره الخبر فقال : عندي من هذا علم ، فقال عبد الرحمن بن عوف ، عمر : ما عندك ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " " فقال إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه ، لا يخرجنكم إلا ذلك عمر : فلله الحمد ، فانصرفوا [ ص: 216 ] أيها الناس ، فانصرف بهم . ورجع أمراء الأجناد إلى أعمالهم .