ذكر الحث على لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أحمد بن مكرم بن خالد البرتي، ثنا ثنا علي بن المديني، الوليد بن مسلم، ثنا ثنا ابن يزيد، حدثني خالد بن معدان، عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر الكلاعي، قالا : وهو ممن نزل فيه : العرباض بن سارية، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه ، فسلمنا، وقلنا : أتيناك زائرين، وعائدين، ومقتبسين، فقال العرباض : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدا حبشيا مجدعا، فإنه من يعيش منكم فسيرى اختلافا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة . أتينا
قال الوليد: فذكرت [ ص: 5 ] هذا الحديث لعبد الله بن العلاء بن زبر؟ فقال: نعم، حدثني بنحو من هذا الحديث .
قال إن الله جل وعلا اصطفى أبو حاتم: محمدا صلى الله عليه وسلم من بين خلقه، وبعثه بالحق بشيرا ونذيرا، وافترض على خلقه طاعته ومذكوره، وحدثنا فقال: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، وقال: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا الآية، فأمر الله بطاعة رسوله مع طاعته، وعند التنازع بالرجوع إلى سنته، إذ هو المفزع الذي لا منازعة لأحد من الخلق فيه، [ ص: 6 ] فمن تنازع في شيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجب رد أمره إلى قضاء الله، ثم إلى قضاء رسوله صلى الله عليه وسلم; لأن طاعة رسوله طاعته، قال الله تعالى: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث .. الآية، وقال: من يطع الرسول فقد أطاع الله فقد أعلمهم جل وعلا أن اتباعهم رسوله اتباعه، وأن طاعتهم له طاعته، ثم ضمن الجنة لمن أطاع رسوله، واتبع ما أجابه، فقال: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم .. الآية، ثم أعلمنا جل وعلا أنه لم يجعل الحكم بينه وبين خلقه إلا رسوله، ونفى الإيمان عن من لم يحكمه فيما شجر بينهم، قال: فلا وربك لا يؤمنون .. الآية، ثم أعلمنا جل وعلا أن دعاهم إلى رسوله ليحكم بينهم، إنما دعاهم إلى حكم الله، لا أن الحاكم بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم متى ما سلموا الحكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد سلموه بفرض الله، قال الله عز وجل: إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، إلى قوله: فأولئك هم الفائزون .
ذا حكم الله فرضه بإلزام خلقه طاعة رسوله، وإعلامهم أنها طاعته، ثم أعلمنا [ ص: 7 ] أن الفرض على رسوله اتباع أمره، فقال: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ، وقال جل وعلا: ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع .. الآية، وقال: يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين إلى قوله: خبيرا ، ثم شهد الله جل وعلا لرسوله باتباع أمره، واستمساك بأمره; لما سبق في علمه من إسعاده بعصمته وتوفيقه للهدى مع هداية من اتبعه، فقال: ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم الآية، ثم أمره الله جل وعلا بتبليغ ما أنزل إليه أمته مع الشهادة له بالعصمة من بين الناس، فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس .
ثم أعلمنا أن الذي يهدي إليه رسوله هو الصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه، فقال: وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان إلى قوله: وما في الأرض ، ففي هذه الآية التي طولناها ما أقام بها الحجة على خلقه بالتسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع أمره، فكل ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم، فبحكم الله سنة، ووجب علينا اتباعه .
وفي العنود عن اتباعه معصية، إذ لا حكم بين الله وبين خلقه، إلا الذي وصفه الله جل وعلا موضع الإبانة لخلقه عنه.
[ ص: 8 ] فالواجب على كل من انتحل العلم أو نسب إليه حفظ سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتفقه فيها، ولا حيلة لأحد في السبيل إلى حفظها إلا بمعرفة تاريخ المحدثين، ومعرفة الضعفاء منهم من الثقات; لأنه متى لم يعرف ذاك لم يحسن تمييز الصحيح من السقيم، ولا عرف المسند من المرسل، ولا الموقوف من المنقطع، فإذا وقف على أسمائهم وأنسابهم، وعرف - أعني بعضهم بعضا - وميز العدول من الضعفاء، وجب عليه حينئذ التفقه فيها، والعمل بها، ثم إصلاح النية في نشرها إلى من بعده رجاء استكمال الثواب في العقبى بفعله ذلك، إذ نسأل الله الفوز على ما يقربنا إليه، ويزلفنا لديه. العلم من أفضل ما يخلف المرء بعده،