ذكر الخبر الدال على استحباب حفظ تاريخ المحدثين
أخبرنا محمد بن محمد الهمداني، ثنا ثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثنا بشر بن المفضل، ابن عون، عن عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، ، أبي بكرة . ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقف على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه - أو قال: بزمامه - فقال: أي يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، فقال: أليس بيوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، [ ص: 10 ] فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فأي بلد هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، فقال: أليس البلد الحرام؟ قلنا: بلى، فقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من أوعى له منه
قال في قوله صلى الله عليه وسلم: أبو حاتم: - كالدليل على " ليبلغ الشاهد منكم الغائب" إذ لا يتهيأ للمرء أن يبلغ الغائب ما شهد إلا بعد المعرفة بصحة ما يؤدي إلى من بعده، وأنه إذا أدى إلى من بعده ما لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنه لم يؤد عنه صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا سبب له إلى معرفة صحة الأخبار وسقيمها إلا بمعرفة تاريخ من ذكر اسمه من المحدثين، وكتابا أبين فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منهما بالثقات، فنذكر ما كانوا عليه في الحالات، فأول ما أبدأ في كتابنا هذا ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومولده، ومبعثه، وهجرته إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته، ثم نذكر بعده الخلفاء الراشدين المهديين بأيامهم إلى أن قتل استحباب حفظ تاريخ المحدثين، والوقوف على معرفة الثقات منهم من الضعفاء، علي رحمة الله عليه، [ ص: 11 ] ثم نذكر صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا واحدا على المعجم، إذ هم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأقاليم كلها على المعجم، إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنا، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين، فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأوليين، ثم نذكر القرن الرابع الذين هم أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا.
ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بخبرهم، وأقنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب التاريخ الكبير الذي خرجناه لعلمنا بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات، ولأن ما نمليه في هذين الكتابين إن يسر الله ذلك وسهله من توصيف الأسماء بقصد ما يحتاج إليه، يكون أسهل على المتعلم إذا قصد الحفظ، وأنشط له في وعيه إذا أراد العلم من التكلف بحفظ ما لو أغضى عنه في البداية لم يخرج في فعله من التكلف لحفظ ذلك، فكل من أذكره في هذا الكتاب الأول فهو صدوق يجوز الاحتجاج [ ص: 12 ] بخبره إذا تعرى خبره، عن خصال خمس، فإذا وجد خبر منكر عن واحد ممن أذكره في كتابي هذا، فإن ذلك الخبر لا ينفك من إحدى خمس خصال: إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرت اسمه في كتابي هذا في الإسناد رجل ضعيف لا يحتج بخبره، أو يكون دونه رجل واه، لا يجوز الاحتجاج بروايته، والخبر يكون مرسلا لا يلزمنا به الحجة، أو يكون منقطعا لا يقوم بمثله الحجة، أو يكون في الإسناد رجل مدلس لم يبين سماعه في الخبر من الذي سمعه منه، فإن المدلس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر; لأنه لا يدري لعله سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره إذا وقف عليه، وعرف الخبر به. فما لم يقل المدلس في خبره وإن كان ثقة: سمعت، أو حدثني، فلا يجوز الاحتجاج بخبره، فذكرت هذه المسألة بكمالها بالعلل والشواهد والحكايات في " كتاب شرائط الأخبار " فأغنى [ ص: 13 ] ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، وإنما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ، وقد ضعفه بعض أئمتنا، ووثقه بعضهم، فمن صح عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيرة التي بينتها في كتاب " الفصل بين النقلة " أدخلته في هذا الكتاب; لأنه يجوز الاحتجاج بخبره، ومن صح عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب " الفصل بين النقلة " لم أذكره في هذا الكتاب، لكني أدخلته في " كتاب الضعفاء بالعلل "; لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره، فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى خبره عن الخصال الخمس التي ذكرتها، فهو عدل يجوز الاحتجاج بخبره; لأن العدل من لم يعرف منه الجرح ضد التعديل، فمن لم يعلم بجرح، فهو عدل إذا لم يبين ضده، إذ لم يكلف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم، جعلنا الله ممن أسبل عليه جلاليب الستر في الدنيا، واتصل ذلك بالعفو عن جناياته [ ص: 14 ] في العقبى، إنه الفعال لما يريد.