الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ثم إذا ضمن الذي أعتق ، فالمعتق بالخيار إن شاء أعتق ما بقي وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ; لما ذكرنا في الشريك الذي لم يعتق ; لأن نصيبه انتقل إليه فقام مقامه وبأي وجه عتق من الإعتاق أو السعاية فولاء العبد كله له ; لأنه عتق كله على ملكه ، هذا إذا كان المعتق موسرا .

                                                                                                                                فأما إن كان معسرا ، فللشريك أربع خيارات : إن شاء أعتق وإن شاء دبر وإن شاء كاتب وإن شاء استسعى ; لما ذكرنا .

                                                                                                                                وأما على قول أبي يوسف ومحمد فيعتق كله ; لأن الإعتاق عندهما لا يتجزأ فكان إعتاق بعضه إعتاقا لكله ولا خيار للشريك عندهما ، وإنما له الضمان لا غير إن كان المعتق موسرا ، وإن كان معسرا فله السعاية لا غير ; لما ذكرنا أن المعتق صار متلفا نصيب الشريك فكان ينبغي أن يكون الواجب هو الضمان في حالة اليسار والإعسار ، إلا أن وجوب السعاية حال الإعسار ثبت بخلاف القياس بالنص .

                                                                                                                                وأما على قول الشافعي إن كان المعتق موسرا ، عتق كله وللشريك أن يضمنه لا غير كما قالا وإن كان معسرا يعتق ما أعتق ويبقى الباقي محلا لجميع التصرفات المزيلة للملك من البيع والهبة وغير ذلك ; لأن الإعتاق عنده لا يتجزأ في حالة اليسار ، وفي حالة الإعسار يتجزأ ; لما ذكرنا من الدلائل لأبي حنيفة ، فيقتصر حكم تصرف المعتق على نصيبه فيبقى نصيبه على ما كان من مشايخنا من قال : لا خلاف بين أصحابنا في أن العتق لا يتجزأ وإنما اختلفوا في الإعتاق وهذا غير سديد ; لأن الإعتاق لما كان [ ص: 90 ] متجزئا عند أبي حنيفة ، كان العتق متجزئا ضرورة إذ هو حكم الإعتاق ، والحكم يثبت على وفق العلة ، ولما لم يكن متجزئا عندهما لم يكن الإعتاق متجزئا أيضا ; لما قلنا ; ولأن القول بهذا قول بتخصيص العلة ; لأنه يوجد الإعتاق في النصف ويتأخر العتق فيه إلى وقت الضمان أو السعاية ، وأنه قول بوجود العلة ولا حكم وهو تفسير تخصيص العلة وأنه باطل ، ولنا أن العتق وإن ثبت في نصيب المعتق على طريق الاقتصار عليه ، لكن في الإعتاق حق الله عز وجل وحق العبد بالإجماع وإنما اختلفوا في الرجحان .

                                                                                                                                فالقول بالتمليك إبطال الحقين وهذا لا يجوز ، وكذا فيه إضرار بالمعتق بإهدار تصرفه من حيث الثمرة للحال ، وإضرار بالعبد من حيث إلحاق الذل به في استعمال النصف الحر والضرر منفي شرعا فإن قيل : إن كان في التمليك إضرار بالمعتق ، ففي المنع من التمليك إضرار بالشريك الساكت ; لما فيه من منعه من التصرف في ملكه فوقع التعارض ، فالجواب : إنا لا نمنعه من التمليك أصلا ورأسا فإن له أن يضمن المعتق ويستسعي العبد ويكاتبه ، وفي التضمين تمليكه من المعتق بالضمان ، وفي الاستسعاء والمكاتبة إزالة الملك إلى عوض وهو السعاية وبدل الكتابة ، فكان فيما قلنا رعاية الجانبين فكان أولى .

                                                                                                                                فإن اختار التدبير فدبر نصيبه صار نصيبه مدبرا عند أبي حنيفة لأن نصيبه باق على ملكه ; فيحتمل التخريج إلى العتق ، والتدبير تخرج إلى العتق إلا أنه لا يجوز له أن يتركه على حاله ليعتق بعد الموت بل يجب عليه السعاية للحال فيؤدي فيعتق ، لأن تدبيره اختيار منه للسعاية وله أن يعتق لأن المدبر قابل للإعتاق ، وليس له أن يضمن المعتق ; لأن التضمين يقتضي تملك المضمون والمدبر لا يحتمل النقل من ملك إلى ملك ; لأن تدبيره اختيار منه للسعاية ، واختيار السعاية يسقط ولاية التضمين على ما نذكر إن شاء الله تعالى وإن اختار الكتابة ، فكاتب نصيبه يصير نصيبه مكاتبا عند أبي حنيفة ; لما ذكرنا ، وكانت مكاتبته اختيارا منه للسعاية ، حتى لا يملك تضمين المعتق بعد ذلك ; ولأن ملك المكاتب وهو مكاتب لا يحتمل النقل أيضا ; فتعذر التضمين ويملك إعتاقه ; لأن الكتابة لا تمنع من الإعتاق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية