الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وقالوا في الملاح إذا حمل الطعام إلى موضع فرد السفينة إنسان فلا أجر للملاح ، وليس عليه أن يعيد السفينة ، فإن كان الملاح هو الذي ردها لزمه إعادة الحمل إلى الموضع الذي شرط عليه لما قلنا ، وإن كان الموضع الذي رجعت إليه السفينة لا يقدر رب الطعام على قبضه فعلى الملاح أن يسلمه في موضع يقدر رب الطعام على قبضه ، ويكون له أجر مثله فيما سار في هذا المسير ; لأنا لو جوزنا للملاح تسليمه في مكان لا ينتفع به لتلف المال على صاحبه .

                                                                                                                                ولو كلفناه حمله بالأجر إلى أقرب المواضع التي يمكن القبض فيه فقد راعينا الحقين .

                                                                                                                                قالوا ولو اكترى بغلا إلى موضع يركبه فلما سار إلى بعض الطريق جمح به فرده إلى موضعه الذي خرج منه فعليه الكراء بقدر ما سار ; لأنه استوفى ذلك القدر من المنافع فلا يسقط عنه الضمان ، وقال في الجامع الصغير عن أبي حنيفة في رجل استأجر رجلا يذهب إلى البصرة فيجيء بعياله فذهب فوجد فلانا قد مات فجاء بمن بقي قال : له من الأجر بحسابه ، وعن أبي حنيفة في رجل استأجر رجلا يذهب بكتابه إلى البصرة إلى فلان ويجيء بجوابه ، فذهب ، فوجد فلانا قد مات ، فرد الكتاب فلا أجر له ، وهو قول أبي يوسف ، وقال محمد : له الأجر في الذهاب ، أما في المسألة الأولى فلأن مقصوده حمل العيال ، فإذا حمل بعضهم دون بعض كان له من الأجر بحساب ما حمل .

                                                                                                                                وأما في الثانية فوجه قول محمد أن الأجر مقابل بقطع المسافة لا بحمل الكتاب ; لأنه لا حمل له ولا مؤنة ، وقطع المسافة في الذهاب وقع على الوجه المأمور به فيستحق حصته من الأجر ، وفي العود لم يقع على الوجه المأمور به فلا يجب به شيء ، ولهما أن المقصود من حمل الكتاب إيصاله إلى فلان ولم يوجد فلا يجب شيء ، على أن المقصود وإن كان نقل الكتاب لكنه إذا رده فقد نقص تلك المنافع فبطل الأجر ، كما لو استأجره ليحمل طعاما إلى البصرة إلى فلان فحمله فوجده قد مات فرده أنه لا أجر له ; لما قلنا ، كذا هذا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية