الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو استأجر حمارا بإكاف فنزعه منه وأسرجه فعطب فلا ضمان عليه ; لأن ضرر السرج أقل من ضرر الإكاف ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أقل مما يأخذ الإكاف .

                                                                                                                                ولو استأجر حمارا بسرج فنزع منه السرج ، وأوكفه فعطب ذكر في الأصل أنه يضمن قدر ما زاد الإكاف على السرج ، ولم يذكر الاختلاف ، وذكر في الجامع الصغير أنه يضمن كل القيمة في قول أبي حنيفة ، وفي قولهما يضمن بحساب الزيادة .

                                                                                                                                وجه قولهما أن الإكاف والسرج كل واحد منهما يركب به عادة ، وإنما يختلفان بالثقل ، والخفة ; لأن الإكاف أثقل فيضمن بقدر الثقل كما لو استأجره بسرج فنزعه وأسرجه بسرج آخر أثقل من الأول فعطب أنه يضمن بقدر الزيادة ، كذا هذا .

                                                                                                                                ولأبي حنيفة أن الإكاف لا يخالف السرج في الثقل ، وإنما يخالفه من وجه آخر ، وهو أنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما يأخذ السرج ولأن الدابة التي لم تألف الإكاف يضر بها الإكاف ، والخلاف إذا لم يكن للثقل يجب به جميع الضمان كما إذا حمل مكان القطن الحديد ، ونحو ذلك ، بخلاف ما إذا بدل السرج بسرج أثقل منه ، والإكاف بإكاف أثقل منه ; لأن التفاوت هناك من ناحية الثقل فيضمن بقدر الزيادة كما في الزيادة على المقدرات من جنسها على ما مر ، ولو استأجر حمارا عاريا فأسرجه ثم ركب [ ص: 215 ] فعطب كان ضامنا ; لأن السرج أثقل على الدابة ، وقيل : هذا إذا استأجره ليركبه في المصر ، وهو من غرض الناس ممن يركب في المصر بغير سرج ، فأما إذا استأجره ليركبه خارج المصر أو هو من ذوي الهيئات لا يضمن ; لأن الحمار لا يركب من بلد إلى بلد بغير سرج ، ولا إكاف ، وكذا ذو الهيئة فكان الإسراج مأذونا فيه دلالة فلا يضمن ، وإن استأجر حمارا بسرج فأسرجه بغيره فإن كان سرجا يسرج بمثله الحمر فلا ضمان عليه ، وإن كان لا يسرج بمثله الحمر فهو ضامن ; لأن الثاني إذا كان مما يسرج به الحمر لا يتفاوتان في الضرر فكان الإذن بأحدهما إذنا بالآخر دلالة ، وإذا كان لا يسرج بمثله الحمر بأن كان سرجا كبيرا كسروج البراذين كان ضرره أكثر ، فكان إتلافا للدابة فيضمن ، وكذلك إن لم يكن عليه لجام فألجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بمثل ذلك اللجام ، وكذلك إن أبدله ; لأن الحمار لا يتلف بأصل اللجام فإذا كان الحمار قد يلجم بمثله أو أبدله بمثله لم يوجد منه الإتلاف ، ولا الخلاف فلا يضمن .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية