ذكر وثوب السودان بالمدينة   
وفيها ثار السودان على عاملها  عبد الله بن الربيع الحارثي  فهرب منهم . 
وسبب ذلك أن  المنصور  استعمل  عبد الله بن الربيع  على المدينة  ، وقدمها لخمس بقين من شوال ، فنازع جنده التجار في بعض ما يشترونه منهم ، فشكا ذلك التجار إلى  ابن الربيع  ، فانتهرهم وشتمهم ، فتزايد طمع الجند فيهم ، فعدوا على رجل صيرفي فنازعوه كيسه ، فاستعان بالناس فخلص ماله منهم ، وشكا أهل المدينة   ذلك منهم ، فلم ينكره  ابن الربيع     . 
ثم جاء رجل من الجند فاشترى من جزار لحما يوم جمعة ، ولم يعطه ثمنه ، وشهر عليه السيف ، فضربه الجزار بشفرة في خاصرته فقتله ، واجتمع الجزارون ، وتنادى السودان على الجند ، وهم يروحون إلى الجمعة فقتلوهم بالعمد ، ونفخوا في بوق لهم ، فسمعه السودان من العالية والسافلة فأقبلوا واجتمعوا ، وكان رؤساؤهم ثلاثة نفر :  وثيق  ،  ويعقل  ،  وزمعة  ، ولم يزالوا على ذلك من قتل الجند حتى أمسوا . 
فلما كان الغد قصدوا  ابن الربيع  فهرب منهم وأتى بطن نخل  على ليلتين من المدينة  فنزل به ، فانتهبوا طعاما  للمنصور  وزيتا وقسبا فباعوا حمل الدقيق بدرهمين ، وراوية الزيت بأربعة دراهم . 
وسار  سليمان بن مليح  ذلك اليوم إلى  المنصور  فأخبره . 
وكان   أبو بكر بن أبي سبرة  في الحبس قد أخذ مع  محمد بن عبد الله  فضرب   [ ص: 132 ] وحبس مقيدا ، فلما كان من السودان ما كان خرج في حديده من الحبس فأتى المسجد فأرسل إلى  محمد بن عمران  ،  ومحمد بن عبد العزيز  وغيرهما ، فأحضرهم عنده فقال : أنشدكم الله وهذه البلية التي وقعت ! فوالله إن ثبتت علينا عند أمير المؤمنين بعد الفعلة الأولى ، إنه لهلاك البلد وأهله والعبيد في السوق بأجمعهم ، فاذهبوا إليهم فكلموهم . 
فقالوا : مرحبا بموالينا ، والله ما قمنا إلا أنفة مما عمل بكم ، فأمرنا إليكم ، فأقبلوا بهم إلى المسجد ، فخطبهم   ابن أبي سبرة  وحثهم على الطاعة ، فتراجعوا . 
ولم يصل الناس يومئذ جمعة ، فلما كان وقت العشاء الآخرة لم يجب المؤذن أحد إلى الصلاة بهم ، فقدم  الأصبغ بن سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان  ، فلما وقف للصلاة واستوت الصفوف أقبل عليهم بوجهه ونادى بأعلى صوته : أنا فلان بن فلان أصلي بالناس على طاعة أمير المؤمنين ، يقول ذلك مرتين وثلاثا . 
ثم تقدم فصلى بهم ، فلما كان الغد قال لهم   ابن أبي سبرة     : إنكم قد كان منكم بالأمس ما قد علمتم ونهبتم طعام أمير المؤمنين ، فلا يبقين عند أحد منه شيء إلا رده ، فردوه ، ورجع  ابن الربيع  من بطن نخل  فقطع يد  وثيق  ويعقل  وغيرهما . 
				
						
						
