[ ص: 171 ] 247
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33800_34064مقتل المتوكل
وفي هذه السنة قتل
المتوكل ، وكان سبب قتله أنه أمر بإنشاء الكتب بقبض ضياع وصيف
بأصبهان والجبل ، وإقطاعها
nindex.php?page=showalam&ids=14886الفتح بن خاقان ، فكتبت ، وصارت إلى الخاتم ، فبلغ ذلك وصيفا ، وكان
المتوكل أراد أن يصلي بالناس أول جمعة في رمضان ، وشاع في الناس ، واجتمعوا لذلك ، وخرج
بنو هاشم من
بغداد لرفع القصص وكلامه إذا ركب .
فلما كان يوم الجمعة ، وأراد الركوب للصلاة ، قال له
عبيد الله بن يحيى ،
والفتح بن خاقان : إن الناس قد كثروا من أهل بيتك ومن غيرهم ، فبعض متظلم ، وبعض طالب حاجة ، وأمير المؤمنين يشكو ضيق الصدر ، وعلة به ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة ، ونكون معه ، فليفعل .
فأمر
المنتصر بالصلاة ، فلما نهض للركوب قالا له : يا أمير المؤمنين ، إن رأيت أن تأمر
المعتز بالصلاة ، فقد اجتمع الناس لتشرفه بذلك ، وقد بلغ الله به ، وكان قد ولد
للمعتز قبل ذلك ولد ، فأمر
المعتز ، فركب فصلى بالناس ، وأقام
المنتصر في داره
بالجعفرية ، فزاد ذلك في إغرائه .
فلما فرغ
المعتز من خطبته قام إليه عبيد الله
والفتح بن خاقان ، فقبلا يديه ورجليه ، فلما فرغ من الصلاة انصرف ومعه الناس في موكب الخلافة ، حتى دخل على أبيه ، فأثنوا عليه عنده ، فسره ذلك .
[ ص: 172 ] فلما كان عيد الفطر قال : مروا
المنتصر يصلي بالناس ! فقال له
عبيد الله : قد كان الناس يتطلعون إلى رؤية أمير المؤمنين ، واحتشدوا لذلك ، فلم يركب ، ولا يأمن إن هو لم يركب اليوم ، أن يرجف الناس بعلته ، فإذا رأى أمير المؤمنين أن يسر الأولياء ، ويكبت الأعداء بركوبه فليفعل .
فركب وقد صف له الناس نحو أربعة أميال ، وترجلوا بين يديه ، فصلى ، ورجع ، فأخذ حفنة من التراب ، فوضعها على رأسه ، وقال : إني رأيت كثرة هذا الجمع ، ورأيتهم تحت يدي ، فأحببت أن أتواضع لله .
فلما كان اليوم الثالث افتصد ، واشتهى لحم جزور ، فأكله ، وكان قد حضر عنده
ابن الحفصي وغيره ، فأكلوا بين يديه . قال : ولم يكن يوم أسر من ذلك اليوم ، ودعا الندماء والمغنين ، فحضروا .
وأهدت له
أم المعتز مطرف خز أخضر ، لم ير الناس مثله ، فنظر إليه ، فأطال ، وأكثر تعجبه منه ، وأمر فقطع نصفين ورده عليها ، وقال لرسولها : والله إن نفسي لتحدثني أني لا ألبسه ، وما أحب أن يلبسه أحد بعدي; ولهذا أمرت بشقه .
قال : فقلنا : نعيذك بالله أن تقول مثل هذا ، قال : وأخذ في الشراب واللهو ، ولج بأن يقول : أنا والله مفارقكم عن قليل ! ولم يزل في لهوه وسروره إلى الليل .
وكان قد عزم هو والفتح أن يفتكا بكرة غد
بالمنتصر ووصيف وبغا وغيرهم من قواد
الأتراك ، وقد كان
المنتصر واعد
الأتراك ووصيفا وغيره على قتل
المتوكل .
وكثر عبث
المتوكل ، قبل ذلك بيوم ، بابنه
المنتصر ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة يتهدده بالقتل ، ثم قال للفتح : برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إن لم تلطمه ، يعني
المنتصر ، فقام إليه فلطمه مرتين ، ثم أمر يده على قفاه ، ثم قال لمن حضره : اشهدوا علي جميعا أني قد خلعت المستعجل ، يعني
المنتصر ، ثم التفت إليه ، فقال : سميتك
المنتصر ، فسماك الناس ، لحمقك ، المنتظر ، ثم صرت الآن المستعجل .
[ ص: 173 ] فقال
المنتصر : لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل علي مما تفعله بي ، فقال : اسقوه ، ثم أمر بالعشاء فأحضر ، وذلك في جوف الليل ، فخرج
المنتصر من عنده ، وأمر
بنانا غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه ، وأخذ بيد زرافة ( الحاجب ) ، وقال له : امض معي ! فقال : إن أمير المؤمنين لم ينم ، فقال : إنه قد أخذ منه النبيذ ، والساعة يخرج
بغا والندماء ، وقد أحببت أن تجعل أمر ولدك إلي ، فإن
أوتامش سألني أن أزوج ولده من ابنتك ، وابنك من ابنته ، فقال : نحن عبيدك فمر بأمرك ! فسار معه إلى حجرة هناك ، وأكلا طعاما ، فسمعا الضجة والصراخ ، فقاما ، وإذا
بغا قد لقي
المنتصر ، فقال
المنتصر : ما هذا ؟ فقال : خير يا أمير المؤمنين ، قال : ما تقول ويلك ؟ قال : أعظم الله أجرك ( في سيدنا ) أمير المؤمنين ، كان
عبد الله دعاه فأجابه .
فجلس
المنتصر ، وأمر بباب البيت الذي قتل فيه
المتوكل ، فأغلق ، وأغلقت الأبواب كلها ، وبعث إلى
وصيف يأمره بإحضار
المعتز والمؤيد عن رسالة
المتوكل .
وأما كيفية قتل
المتوكل ، فإنه لما خرج
المنتصر دعا
المتوكل بالمائدة ، وكان
بغا الصغير المعروف بالشرابي قائما عند الستر ، وذلك اليوم كان نوبة
بغا الكبير ، وكان خليفته في الدار ابنه
موسى ،
وموسى هو ابن خالة
المتوكل ، وكان أبوه يومئذ
بسميساط ، فدخل
بغا الصغير إلى المجلس ، فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم ، فقال له الفتح : ليس هذا وقت انصرافهم ، وأمير المؤمنين لم يرتفع ، فقال
بغا : إن أمير المؤمنين أمرني أنه إذا جاوز السبعة لا أترك أحدا ، وقد شرب أربعة عشر رطلا ، وحرم أمير المؤمنين خلف الستارة ، وأخرجهم ، فلم يبق إلا الفتح وعثعث ، وأربعة من خدم الخاصة ،
وأبو أحمد بن المتوكل ، وهو أخو
المؤيد لأمه .
وكان
بغا الشرابي أغلق الأبواب كلها ، إلا باب الشط ، ومنه دخل القوم الذين قتلوه ، فبصر بهم
أبو أحمد ، فقال : ما هذا يا سفل ! وإذا سيوف مسللة ، فلما سمع
المتوكل صوت
أبي أحمد رفع رأسه ، فرآهم ، فقال : ما هذا يا
بغا ؟ فقال : هؤلاء رجال النوبة ، فرجعوا إلى ورائهم عند كلامه ، ولم يكن واجن وأصحابه وولد
وصيف حضروا معهم ، فقال لهم
بغا : يا سفل ! أنتم مقتولون لا محالة ، فموتوا كراما ! فرجعوا ، فابتدره بغلون ، فضربه على كتفه وأذنه فقده ، فقال : مهلا ! قطع الله يدك ، وأراد الوثوب به ،
[ ص: 174 ] واستقبله بيده ، فضربها ، فأبانها ، وشاركه
باغر ، فقال الفتح : ويلكم ! أمير المؤمنين . . . ورمى بنفسه على
المتوكل ، فبعجوه بسيوفهم ، فصاح : الموت ! وتنحى ، فقتلوه .
وكانوا قالوا
لوصيف ليحضر معهم ، وقالوا : إنا نخاف ، فقال : لا بأس عليكم ، فقالوا له : أرسل معنا بعض ولدك ، فأرسل معهم خمسة من ولده :
صالحا ،
وأحمد ،
وعبد الله ،
ونصرا ،
وعبيد الله .
وقيل : إن القوم لما دخلوا نظر إليهم
عثعث ، فقال
للمتوكل : قد فرغنا من الأسد ، والحيات ، والعقارب ، وصرنا إلى السيوف ، وذلك أنه ربما أسلى الحية ، والعقرب ، والأسد ، فلما ذكر عثعث السيوف قال : يا ويلك ! أي سيوف ؟ فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه وقتلوه ، وقتلوا
الفتح ، وخرجوا إلى
المنتصر ، فسلموا عليه بالخلافة ، وقالوا : مات أمير المؤمنين ، وقاموا على رأس زرافة بالسيوف ، وقالوا : بايع ، فبايع .
وأرسل
المنتصر إلى
وصيف : إن
الفتح قد قتل أبي فقتلته ، فاحضر في وجوه أصحابك ! فحضر هو وأصحابه ، فبايعوا . وكان
عبيد الله بن يحيى في حجرته ينفذ الأمور ولا يعلم ، وبين يديه
جعفر بن حامد ، إذ طلع عليه بعض الخدم ، فقال : ما يحبسك والدار سيف واحد ؟ فأمر
جعفرا بالنظر ، فخرج ، وعاد وأخبره أن
المتوكل والفتح قتلا ، فخرج فيمن عنده من خدمه وخاصته ، فأخبر أن الأبواب مغلقة ، وأخذ نحو الشط ، فإذا أبوابه مغلقة ، فأمر بكسر ثلاثة أبواب ، وخرج إلى الشط ، وركب في زورق ، فأتى منزل
المعتز ، فسأل عنه ، فلم يصادفه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قتل نفسه وقتلني .
واجتمع إلى
عبيد الله أصحابه غداة يوم الأربعاء ، من الأبناء ، والعجم ، والأمن والزواقيل ، وغيرهم ، فكانوا زهاء عشرة آلاف ، وقيل : كانوا ثلاثة عشر ألفا ، وقيل : ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ، فقالوا : ما اصطنعتنا إلا لهذا اليوم ، فمرنا بأمرك ، وائذن لنا أن نمل على القوم ، ونقتل
المنتصر ومن معه ! فأبى ذلك ، وقال :
المعتز في أيديهم .
وذكر عن
علي بن يحيى المنجم أنه قال : كنت أقرأ على
المتوكل ، قبل قتله بأيام ، كتابا من كتب الملاحم ، فوقفت على موضع فيه أن الخليفة العاشر يقتل في مجلسه ، فتوقفت عن قراءته ، فقال : ما لك ؟ فقلت : خيرا ! قال : لا بد من أن تقرأه ، فقرأته ، وحدث عن ذكر الخلفاء ، فقال : ليت شعري من هذا الشقي المقتول ؟ فقال
أبو الوارث ، قاضي
نصيبين : رأيت في النوم آتيا وهو يقول :
[ ص: 175 ] يا نائم العين في جثمان يقظان ما بال عينك لا تبكي بتهتان أما رأيت صروف الدهر ما فعلت
بالهاشمي وبالفتح بن خاقان ؟
فأتى البريد بعد أيام بقتلهما .
وكان قتله ليلة الأربعاء لأربع خلون من شوال ، وقيل : ليلة الخميس .
وكانت خلافته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام ، وكان مولده
بفم الصلح في شوال سنة ست ومائتين ، وكان عمره نحو أربعين سنة .
وكان أسمر ، حسن العينين ، نحيفا ، خفيف العارضين .
ورثاه الشعراء فأكثروا ، ومما قيل فيه ، قول
علي بن الجهم :
عبيد أمير المؤمنين قتلنه وأعظم آفات الملوك عبيدها
بني هاشم صبرا ، فكل مصيبة سيبلى على وجه الزمان جديدها
[ ص: 171 ] 247
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33800_34064مَقْتَلِ الْمُتَوَكِّلِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ
الْمُتَوَكِّلُ ، وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِنْشَاءِ الْكُتُبِ بِقَبْضِ ضِيَاعِ وَصَيْفٍ
بِأَصْبَهَانَ وَالْجَبَلِ ، وَإِقْطَاعَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=14886الْفَتْحَ بْنَ خَاقَانَ ، فَكُتِبَتْ ، وَصَارَتْ إِلَى الْخَاتَمِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ وَصَيْفًا ، وَكَانَ
الْمُتَوَكِّلُ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ أَوَّلَ جُمْعَةٍ فِي رَمَضَانَ ، وَشَاعَ فِي النَّاسِ ، وَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ ، وَخَرَجَ
بَنُو هَاشِمٍ مِنْ
بَغْدَادَ لِرَفْعِ الْقَصَصِ وَكَلَامِهِ إِذَا رَكِبَ .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ ، وَأَرَادَ الرُّكُوبَ لِلصَّلَاةِ ، قَالَ لَهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى ،
وَالْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ : إِنَّ النَّاسَ قَدْ كَثَرُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ وَمِنْ غَيْرِهِمْ ، فَبَعْضٌ مُتَظَلِّمٌ ، وَبَعْضٌ طَالِبُ حَاجَةٍ ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَشْكُو ضِيقَ الصَّدْرِ ، وَعِلَّةً بِهِ ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَأْمُرَ بَعْضَ وُلَاةِ الْعُهُودِ بِالصَّلَاةِ ، وَنَكُونَ مَعَهُ ، فَلْيَفْعَلْ .
فَأَمَرَ
الْمُنْتَصِرَ بِالصَّلَاةِ ، فَلَمَّا نَهَضَ لِلرُّكُوبِ قَالَا لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَأْمُرَ
الْمُعْتَزَّ بِالصَّلَاةِ ، فَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِتُشَرِّفَهُ بِذَلِكَ ، وَقَدْ بَلَغَ اللَّهُ بِهِ ، وَكَانَ قَدْ وُلِدَ
لِلْمُعْتَزِّ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَدٌ ، فَأَمَرَ
الْمُعْتَزَ ، فَرَكِبَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ، وَأَقَامَ
الْمُنْتَصِرُ فِي دَارِهِ
بِالْجَعْفَرِيَّةِ ، فَزَادَ ذَلِكَ فِي إِغْرَائِهِ .
فَلَمَّا فَرَغَ
الْمُعْتَزُّ مِنْ خُطْبَتِهِ قَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ ، فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ انْصَرَفَ وَمَعَهُ النَّاسُ فِي مَوْكِبِ الْخِلَافَةِ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ عِنْدَهُ ، فَسَّرَهُ ذَلِكَ .
[ ص: 172 ] فَلَمَّا كَانَ عِيدُ الْفِطْرِ قَالَ : مُرُوا
الْمُنْتَصِرَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ! فَقَالَ لَهُ
عُبَيْدُ اللَّهِ : قَدْ كَانَ النَّاسُ يَتَطَلَّعُونَ إِلَى رُؤْيَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاحْتَشَدُوا لِذَلِكَ ، فَلَمْ يَرْكَبْ ، وَلَا يَأْمَنُ إِنْ هُوَ لَمْ يَرْكَبِ الْيَوْمَ ، أَنْ يَرْجُفَ النَّاسُ بِعِلَّتِهِ ، فَإِذَا رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسُرَّ الْأَوْلِيَاءَ ، وَيَكْبِتَ الْأَعْدَاءَ بِرُكُوبِهِ فَلْيَفْعَلْ .
فَرَكِبَ وَقَدْ صُفَّ لَهُ النَّاسُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ ، وَتَرَجَّلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَصَلَّى ، وَرَجَعَ ، فَأَخَذَ حِفْنَةً مِنَ التُّرَابِ ، فَوَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ ، وَقَالَ : إِنِّي رَأَيْتُ كَثْرَةَ هَذَا الْجَمْعِ ، وَرَأَيْتُهُمْ تَحْتَ يَدِي ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَوَاضَعَ لِلَّهِ .
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ افْتَصَدَ ، وَاشْتَهَى لَحْمَ جَزُورٍ ، فَأَكَلَهُ ، وَكَانَ قَدْ حَضَرَ عِنْدَهُ
ابْنُ الْحَفْصِيِّ وَغَيْرُهُ ، فَأَكَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ يَوْمٌ أَسَرَّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَدَعَا النُّدَمَاءَ وَالْمُغَنِّينَ ، فَحَضَرُوا .
وَأَهْدَتْ لَهُ
أُمُّ الْمُعْتَزِّ مُطْرَفَ خَزٍّ أَخْضَرَ ، لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَأَطَالَ ، وَأَكْثَرَ تَعَجُّبَهُ مِنْهُ ، وَأَمَرَ فَقُطِعَ نِصْفَيْنِ وَرَدَّهُ عَلَيْهَا ، وَقَالَ لِرَسُولِهَا : وَاللَّهِ إِنَّ نَفْسِي لِتُحَدِّثُنِي أَنِّي لَا أَلْبَسُهُ ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ يَلْبَسَهُ أَحَدٌ بَعْدِي; وَلِهَذَا أَمَرْتُ بِشَقِّهِ .
قَالَ : فَقُلْنَا : نُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَقُولَ مِثْلَ هَذَا ، قَالَ : وَأَخَذَ فِي الشَّرَابِ وَاللَّهْوِ ، وَلَجَّ بِأَنْ يَقُولَ : أَنَا وَاللَّهِ مُفَارِقُكُمْ عَنْ قَلِيلٍ ! وَلَمْ يَزَلْ فِي لَهْوِهِ وَسُرُورِهِ إِلَى اللَّيْلِ .
وَكَانَ قَدْ عَزَمَ هُوَ وَالْفَتْحُ أَنْ يَفْتِكَا بُكْرَةَ غَدٍ
بِالْمُنْتَصِرِ وَوَصِيفٍ وَبُغَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ قُوَّادِ
الْأَتْرَاكِ ، وَقَدْ كَانَ
الْمُنْتَصِرُ وَاعَدَ
الْأَتْرَاكَ وَوَصِيفًا وَغَيْرَهُ عَلَى قَتْلِ
الْمُتَوَكِّلِ .
وَكَثُرَ عَبَثُ
الْمُتَوَكِّلِ ، قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ ، بِابْنِهِ
الْمُنْتَصِرِ ، مَرَّةً يَشْتُمُهُ ، وَمَرَّةً يَسْقِيهِ فَوْقَ طَاقَتِهِ ، وَمَرَّةً يَأْمُرُ بِصَفْعِهِ ، وَمَرَّةً يَتَهَدَّدُهُ بِالْقَتْلِ ، ثُمَّ قَالَ لِلْفَتْحِ : بَرِئْتُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنْ لَمْ تَلْطِمْهُ ، يَعْنِي
الْمُنْتَصِرَ ، فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَطَمَهُ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ : اشْهَدُوا عَلَيَّ جَمِيعًا أَنِّي قَدْ خَلَعْتُ الْمُسْتَعْجَلَ ، يَعْنِي
الْمُنْتَصِرَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : سَمَّيْتُكَ
الْمُنْتَصِرَ ، فَسَمَّاكَ النَّاسُ ، لِحُمْقِكَ ، الْمُنْتَظَرَ ، ثُمَّ صِرْتَ الْآنَ الْمُسْتَعْجَلَ .
[ ص: 173 ] فَقَالَ
الْمُنْتَصِرُ : لَوْ أَمَرْتَ بِضَرْبِ عُنُقِي كَانَ أَسْهَلَ عَلَيَّ مِمَّا تَفْعَلُهُ بِي ، فَقَالَ : اسْقُوهُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْعَشَاءِ فَأُحْضِرَ ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، فَخَرَجَ
الْمُنْتَصِرُ مِنْ عِنْدِهِ ، وَأَمَرَ
بَنَانًا غُلَامَ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى أَنْ يَلْحَقَهُ ، وَأَخَذَ بِيَدِ زَرَافَةَ ( الْحَاجِبِ ) ، وَقَالَ لَهُ : امْضِ مَعِي ! فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَنَمْ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهُ النَّبِيذَ ، وَالسَّاعَةَ يَخْرُجُ
بُغَا وَالنُّدَمَاءُ ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَجْعَلَ أَمْرَ وَلَدِكَ إِلَيَّ ، فَإِنَّ
أُوتَامَشَ سَأَلَنِي أَنْ أُزَوِّجَ وَلَدَهُ مِنَ ابْنَتِكَ ، وَابْنَكَ مِنِ ابْنَتِهِ ، فَقَالَ : نَحْنُ عَبِيدُكَ فَمُرْ بِأَمْرِكَ ! فَسَارَ مَعَهُ إِلَى حُجْرَةٍ هُنَاكَ ، وَأَكَلَا طَعَامًا ، فَسَمِعَا الضَّجَّةَ وَالصُّرَاخَ ، فَقَامَا ، وَإِذَا
بُغَا قَدْ لَقِيَ
الْمُنْتَصِرَ ، فَقَالَ
الْمُنْتَصِرُ : مَا هَذَا ؟ فَقَالَ : خَيْرٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : مَا تَقَوُلُ وَيْلَكَ ؟ قَالَ : أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرَكَ ( فِي سَيِّدِنَا ) أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَانَ
عَبْدُ اللَّهِ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ .
فَجَلَسَ
الْمُنْتَصِرُ ، وَأَمَرَ بِبَابِ الْبَيْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ
الْمُتَوَكِّلُ ، فَأُغْلِقَ ، وَأُغْلِقَتِ الْأَبْوَابُ كُلُّهَا ، وَبَعَثَ إِلَى
وَصِيفٍ يَأْمُرُهُ بِإِحْضَارِ
الْمُعْتَزِّ وَالْمُؤَيَّدِ عَنْ رِسَالَةِ
الْمُتَوَكِّلِ .
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ قَتْلِ
الْمُتَوَكِّلِ ، فَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ
الْمُنْتَصِرُ دَعَا
الْمُتَوَكِّلُ بِالْمَائِدَةِ ، وَكَانَ
بُغَا الصَّغِيرُ الْمَعْرُوفُ بِالشَّرَابِيِّ قَائِمًا عِنْدَ السِّتْرِ ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ كَانَ نَوْبَةَ
بُغَا الْكَبِيرِ ، وَكَانَ خَلِيفَتَهُ فِي الدَّارِ ابْنُهُ
مُوسَى ،
وَمُوسَى هُوَ ابْنُ خَالَةِ
الْمُتَوَكِّلِ ، وَكَانَ أَبُوهُ يَوْمَئِذٍ
بِسُمَيْسَاطَ ، فَدَخَلَ
بُغَا الصَّغِيرُ إِلَى الْمَجْلِسِ ، فَأَمَرَ النُّدَمَاءَ بِالِانْصِرَافِ إِلَى حُجَرِهِمْ ، فَقَالَ لَهُ الْفَتْحُ : لَيْسَ هَذَا وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَرْتَفِعْ ، فَقَالَ
بُغَا : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنَّهُ إِذَا جَاوَزَ السَّبْعَةَ لَا أَتْرُكُ أَحَدًا ، وَقَدْ شَرِبَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَطْلًا ، وَحَرَمُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ خَلْفَ السِّتَارَةِ ، وَأَخْرَجَهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْفَتْحُ وَعَثْعَثُ ، وَأَرْبَعَةٌ مِنْ خَدَمِ الْخَاصَّةِ ،
وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ ، وَهُوَ أَخُو
الْمُؤَيَّدِ لِأُمِّهِ .
وَكَانَ
بُغَا الشَّرَابِيُّ أَغْلَقَ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا ، إِلَّا بَابَ الشَّطِّ ، وَمِنْهُ دَخَلَ الْقَوْمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُ ، فَبَصُرَ بِهِمْ
أَبُو أَحْمَدَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا سُفَلُ ! وَإِذَا سُيُوفٌ مُسَلَّلَةٌ ، فَلَمَّا سَمِعَ
الْمُتَوَكِّلُ صَوْتَ
أَبِي أَحْمَدَ رَفَعَ رَأْسَهُ ، فَرَآهُمْ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا
بُغَا ؟ فَقَالَ : هَؤُلَاءِ رِجَالُ النُّوبَةِ ، فَرَجَعُوا إِلَى وَرَائِهِمْ عِنْدَ كَلَامِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ وَاجِنُ وَأَصْحَابُهُ وَوَلَدُ
وَصِيفٍ حَضَرُوا مَعَهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ
بُغَا : يَا سُفَلُ ! أَنْتُمْ مَقْتُولُونَ لَا مَحَالَةَ ، فَمُوتُوا كِرَامًا ! فَرَجَعُوا ، فَابْتَدَرَهُ بَغْلُونُ ، فَضَرَبَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَأُذُنِهِ فَقَدَّهُ ، فَقَالَ : مَهْلًا ! قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ ، وَأَرَادَ الْوُثُوبَ بِهِ ،
[ ص: 174 ] وَاسْتَقْبَلَهُ بِيَدِهِ ، فَضَرَبَهَا ، فَأَبَانَهَا ، وَشَارَكَهُ
بَاغِرُ ، فَقَالَ الْفَتْحُ : وَيْلَكُمُ ! أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . . . وَرَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ ، فَبَعَجُوهُ بِسُيُوفِهِمْ ، فَصَاحَ : الْمَوْتُ ! وَتَنَحَّى ، فَقَتَلُوهُ .
وَكَانُوا قَالُوا
لِوَصِيفٍ لِيَحْضُرَ مَعَهُمْ ، وَقَالُوا : إِنَّا نَخَافُ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : أَرْسِلْ مَعَنَا بَعْضَ وَلَدِكَ ، فَأَرْسَلَ مَعَهُمْ خَمْسَةً مِنْ وَلَدِهِ :
صَالِحًا ،
وَأَحْمَدَ ،
وَعَبْدَ اللَّهِ ،
وَنَصْرًا ،
وَعُبَيْدَ اللَّهِ .
وَقِيلَ : إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دَخَلُوا نَظَرَ إِلَيْهِمْ
عَثْعَثُ ، فَقَالَ
لِلْمُتَوَكِّلِ : قَدْ فَرَغْنَا مِنَ الْأَسَدِ ، وَالْحَيَّاتِ ، وَالْعَقَارِبِ ، وَصِرْنَا إِلَى السُّيُوفِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا أَسْلَى الْحَيَّةَ ، وَالْعَقْرَبَ ، وَالْأَسَدَ ، فَلَمَّا ذَكَرَ عَثْعَثُ السُّيُوفَ قَالَ : يَا وَيْلَكَ ! أَيُّ سُيُوفٍ ؟ فَمَا اسْتَتَمَّ كَلَامَهُ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ وَقَتَلُوهُ ، وَقَتَلُوا
الْفَتْحَ ، وَخَرَجُوا إِلَى
الْمُنْتَصِرِ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِالْخِلَافَةِ ، وَقَالُوا : مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَامُوا عَلَى رَأْسِ زَرَافَةَ بِالسُّيُوفِ ، وَقَالُوا : بَايِعْ ، فَبَايَعَ .
وَأَرْسَلَ
الْمُنْتَصِرُ إِلَى
وَصِيفٍ : إِنَّ
الْفَتْحَ قَدْ قَتَلَ أَبِي فَقَتَلْتُهُ ، فَاحْضُرْ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِكَ ! فَحَضَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، فَبَايَعُوا . وَكَانَ
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى فِي حُجْرَتِهِ يُنَفِّذُ الْأُمُورَ وَلَا يَعْلَمُ ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ
جَعْفَرُ بْنُ حَامِدٍ ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْخَدَمِ ، فَقَالَ : مَا يَحْبِسُكَ وَالدَّارُ سَيْفٌ وَاحِدٌ ؟ فَأَمَرَ
جَعْفَرًا بِالنَّظَرِ ، فَخَرَجَ ، وَعَادَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ
الْمُتَوَكِّلَ وَالْفَتْحَ قُتِلَا ، فَخَرَجَ فَيَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ خَدَمِهِ وَخَاصَّتِهِ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَبْوَابَ مُغْلَقَةٌ ، وَأَخَذَ نَحْوَ الشَّطِّ ، فَإِذَا أَبْوَابُهُ مُغْلَقَةٌ ، فَأَمَرَ بِكَسْرِ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ ، وَخَرَجَ إِلَى الشَّطِّ ، وَرَكِبَ فِي زَوْرَقٍ ، فَأَتَى مَنْزِلَ
الْمُعْتَزِّ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَلَمْ يُصَادِفْهُ ، فَقَالَ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، قَتَلَ نَفْسَهُ وَقَتَلَنِي .
وَاجْتَمَعَ إِلَى
عُبَيْدِ اللَّهِ أَصْحَابُهُ غَدَاةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ ، مِنَ الْأَبْنَاءِ ، وَالْعَجَمِ ، وَالْأَمْنِ وَالزَّوَاقِيلِ ، وَغَيْرِهِمْ ، فَكَانُوا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلَافٍ ، وَقِيلَ : كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا ، وَقِيلَ : مَا بَيْنَ خَمْسَةِ آلَافٍ إِلَى عَشَرَةِ آلَافٍ ، فَقَالُوا : مَا اصْطَنَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا الْيَوْمِ ، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ ، وَائِذَنْ لَنَا أَنْ نُمِلَّ عَلَى الْقَوْمِ ، وَنَقْتُلَ
الْمُنْتَصِرَ وَمَنْ مَعَهُ ! فَأَبَى ذَلِكَ ، وَقَالَ :
الْمُعْتَزُّ فِي أَيْدِيهِمْ .
وَذُكِرَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الْمُنَجِّمِ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى
الْمُتَوَكِّلِ ، قَبْلَ قَتْلِهِ بِأَيَّامٍ ، كِتَابًا مِنْ كُتُبِ الْمَلَاحِمِ ، فَوَقَفْتُ عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ الْعَاشِرَ يُقْتَلُ فِي مَجْلِسِهِ ، فَتَوَقَّفْتُ عَنْ قِرَاءَتِهِ ، فَقَالَ : مَا لَكَ ؟ فَقُلْتُ : خَيْرًا ! قَالَ : لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَقْرَأَهُ ، فَقَرَأْتُهُ ، وَحَدَّثَ عَنْ ذِكْرِ الْخُلَفَاءِ ، فَقَالَ : لَيْتَ شِعْرِي مَنْ هَذَا الشَّقِيُّ الْمَقْتُولُ ؟ فَقَالَ
أَبُو الْوَارِثِ ، قَاضِي
نَصِيبِينَ : رَأَيْتُ فِي النَّوْمِ آتِيًا وَهُوَ يَقُولُ :
[ ص: 175 ] يَا نَائِمَ الْعَيْنِ فِي جُثْمَانِ يَقْظَانِ مَا بَالُ عَيْنِكَ لَا تَبْكِي بِتَهْتَانِ أَمَا رَأَيْتَ صُرُوفَ الدَّهْرِ مَا فَعَلَتْ
بِالْهَاشِمِيِّ وَبِالْفَتْحِ بْنِ خَاقَانِ ؟
فَأَتَى الْبَرِيدُ بَعْدَ أَيَّامٍ بِقَتْلِهِمَا .
وَكَانَ قَتْلُهُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالَ ، وَقِيلَ : لَيْلَةَ الْخَمِيسِ .
وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ
بِفَمِ الصُّلْحِ فِي شَوَّالَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ ، وَكَانَ عُمْرُهُ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَكَانَ أَسْمَرَ ، حَسَنَ الْعَيْنَيْنِ ، نَحِيفًا ، خَفِيفَ الْعَارِضَيْنِ .
وَرَثَاهُ الشُّعَرَاءُ فَأَكْثَرُوا ، وَمِمَّا قِيلَ فِيهِ ، قَوْلُ
عَلِيِّ بْنِ الْجَهْمِ :
عَبِيدُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلْنَهُ وَأَعْظَمُ آفَاتِ الْمُلُوكِ عَبِيدُهَا
بَنِي هَاشِمٍ صَبْرًا ، فَكُلُّ مُصِيبَةٍ سَيَبْلَى عَلَى وَجْهِ الزَّمَانِ جَدِيدُهَا