الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر قبض الفضل بن مروان

وكان الفضل بن مروان من البردان ، وكان حسن الخط ، فاتصل بيحيى الجرمقاني كاتب المعتصم ، قبل خلافته ، فكان يكتب بين يديه ، فلما هلك الجرمقاني صار موضعه ، وسار مع المعتصم إلى الشام ، ومصر ، فأخذ من الأموال الكثير ، فلما صار المعتصم خليفة كان اسمها له ، وكان معناها للفضل ، واستولى على الدواوين كلها ، وكنز الأموال .

وكان المعتصم يأمره بإعطاء المغني والنديم ، فلا ينفذ الفضل ذلك ، فثقل على المعتصم ، وكان له مضحك اسمه إبراهيم ، يعرف بالهفتي ، فأمر له المعتصم بمال ، وتقدم إلى الفضل بإعطائه ، فلم يعطه شيئا ، فبينا الهفتي يوما عند المعتصم ، يمشي معه في بستان له ، وكان الهفتي يصحبه قبل الخلافة ، ويقول له فيما يداعبه : والله لا تفلح أبدا ، وكان مربوعا بدينا ، وكان المعتصم خفيف اللحم ؛ فكان يسبقه ، ويلتفت إليه ويقول : ما لك لا تسرع المشي ؟ فلما أكثر عليه من ذلك ، قال الهفتي مداعبا له : كنت [ ص: 17 ] أراني أماشي خليفة ، ولم [ أكن ] أراني أماشي فيجا ، والله لا أفلحت أبدا ! فضحك المعتصم وقال : وهل بقي من الفلاح شيء لم أدركه بعد الخلافة ؟ فقال : أتظن أنك أفلحت ؟ لا والله ، ما لك من الخلافة إلا اسمها ، ما يتجاوز أمرك أذنيك ، إنما الخليفة الفضل ، فقال : وأي أمر لي لم ينفذ ؟ فقال الهفتي : أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين ، فما أعطيت حبة ، فحقدها على الفضل .

فقيل : أول ما أحدثه في أمره جعل زماما في نفقات الخاصة ، وفي الخراج ، وجميع الأعمال ، ثم نكبه وأهل بيته في صفر ، وأمرهم بعمل حسابهم ، وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات ، فنفى الفضل إلى قرية في طريق الموصل تعرف بالسن ، وصار محمد وزيرا كاتبا .

وكان الفضل شرس الأخلاق ، ضيق العطن ، كريه اللقاء ، بخيلا ، مستطيلا ، فلما نكب شمت به الناس ، حتى قال بعضهم فيه :


ليبك على الفضل بن مروان نفسه فليس له باك من الناس يعرف     لقد صحب الدنيا منوعا لخيرها
وفارقها وهو الظلوم المعنف     إلى النار فليذهب ، ومن كان مثله
على أي شيء فاتنا منه نأسف ؟



التالي السابق


الخدمات العلمية