ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33797أمر القرامطة
فيها أنفذ
زكرويه بن مهرويه ، بعد قتل صاحب
الشامة ، رجلا كان يعلم الصبيان بالرافوفة من
الفلوجة يسمى
عبد الله بن سعيد ، ويكنى أبا غانم ، فسمي نصرا ، وقيل كان
المنفذ ابن زكرويه ، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه ، فلم يقبله منهم أحد ، إلا رجلا من
بني زياد يسمى
مقدام بن الكيال ، واستقوى بطوائف من
الأصبغيين المنتمين إلى
الفواطم ، وغيرهم من
العليصيين ، وصعاليك من سائر بطون
كلب ، وقصد ناحية
الشام ، والعامل
بدمشق والأردن أحمد بن كيغلغ ، وهو
بمصر يحارب
الخلنجي ، فاغتنم ذلك
عبد الله بن سعيد ، وسار إلى بصرى
[ ص: 550 ] وأذرعات والبثنية ، فحارب أهلها ، ثم أمنهم ، فلما استسلموا إليه قتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم .
ثم قصد
دمشق ، فخرج إليهم
نائب ابن كيغلغ ، وهو
صالح بن الفضل ، فهزمه
القرامطة ، وأثخنوا فيهم ، ثم [ أمنوهم ] وغدروهم بالأمان ، وقتلوا صالحا ، وفضوا عسكره ، وساروا إلى
دمشق ، فمنعهم أهلها ، فقصدوا
طبرية ، وانضاف إليه جماعة من جند
دمشق افتتنوا به ، فواقعهم
يوسف بن إبراهيم بن بغامردي ، وهو خليفة
أحمد بن كيغلغ بالأردن ، فهزموه ، وبذلوا له الأمان ، وغدروا به ، وقتلوه ، ونهبوا
طبرية ، وقتلوا خلقا كثيرا من أهلها وسبوا النساء .
فأنفذ
الخليفة الحسين بن حمدان وجماعة من القواد في طلبهم ، فوردوا
دمشق ، فلما علم بهم
القرامطة رجعوا نحو السماوة ، وتبعهم
الحسين في
السماوة وهم ينتقلون في المياه ويغورونها ، حتى لجئوا إلى ماءين يعرف أحدهما بالدمعانة ، والآخر بالحبالة .
وانقطع
ابن حمدان عنهم لعدم الماء ، وعاد إلى
الرحبة ، وأسرى
القرامطة مع نصر إلى هيت وأهلها غافلون ، فنهبوا ربضها ، وامتنع
أهل المدينة بسورهم ، ونهبوا السفن ، وقتلوا من
أهل المدينة مائتي نفس ، ونهبوا الأموال والمتاع ، وأوقروا ثلاثة آلاف راحلة من الحنطة .
وبلغ الخبر إلى
المكتفي فسير
محمد بن إسحاق بن كنداج ، فلم يقيموا
لمحمد ، ورجعوا إلى الماءين فنهض
محمد خلفهم ، فوجدهم قد غوروا المياه ، فأنفذ إليه من
بغداذ الأزواد والدواب ، وكتب إلى
ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرحبة ليجتمع هو ومحمد على الإيقاع بهم ، ففعل ذلك .
فلما أحس
الكلبيون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر فقتلوه ، قتله رجل منهم يقال له
الذئب بن القائم ، وسار برأسه إلى
المكتفي متقربا بذلك ، مستأمنا ، فأجيب إلى ذلك ، وأجيز بجائزة سنية ، وأمر بالكف عن قومه .
[ ص: 551 ] واقتتلت
القرامطة بعد نصر حتى صارت بينهم الدماء ، وسارت فرقة كرهت أمورهم إلى
بني أسد بنواحي عين التمر ، واعتذروا إلى الخليفة ، فقبل عذرهم ، وبقي على الماءين بقيتهم ممن له بصيرة في دينه ، فكتب الخليفة إلى
ابن حمدان يأمره بمعاودتهم ، واجتثاث أصلهم ، فأرسل إليهم
زكرويه بن مهرويه داعية له يسمى
القاسم بن أحمد ، ويعرف بأبي محمد ، وأعلمهم أن فعل الذئب قد نفره منهم ، وأنهم قد ارتدوا عن الدين ، وأن وقت ظهورهم قد حضر ، وقد بايع له من أهل
الكوفة أربعون ألفا ، وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في شأن
موسى صلى الله عليه وسلم وعدوه فرعون إذ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ، ويأمرهم أن يفوا أمرهم ، وأن يسيروا حتى يصبحوا
الكوفة يوم النحر سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، فإنهم لا يمنعون منها ، وأنه يظهر لهم ، وينجز لهم وعده الذي يعدهم إياه ، وأن يحملوا إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن أحمد .
فامتثلوا رأيه ، ووافوا باب
الكوفة وقد انصرف الناس عن مصلاهم ، وعاملهم
إسحاق بن عمران ، ووصلوها في ثمانمائة فارس عليهم الدروع ، والجواشن ، والآلات الحسنة ، وقد ضربوا على
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن أحمد قبة ، وقالوا هذا أثر رسول الله ، ونادوا : يا لثارات
الحسين ، يعنون
الحسين بن زكرويه المصلوب
ببغداذ ، وشعارهم : يا أحمد ، يا محمد ، يعنون
ابني زكرويه المقتولين ، فأظهروا الأعلام البيض ، وأرادوا استمالة رعاع الناس
بالكوفة بذلك ، فلم يمل إليهم أحد ، فأوقع
القرامطة بمن لحقوه من أهل
الكوفة ، وقتلوا نحوا من عشرين نفسا .
وبادر الناس
الكوفة ، وأخذوا السلاح ، ونهض بهم
إسحاق ، ودخل مدينة
الكوفة من
القرامطة مائة فارس ، فقتل منهم عشرون نفسا ، وأخرجوا عنها ، وظهر
إسحاق ، وحاربهم إلى العصر ، ثم انصرفوا نحو
القادسية ، وكان فيمن يقاتلهم مع
إسحاق جماعة من الطالبية .
وكتب
إسحاق إلى الخليفة يستمده ، فأمده بجماعة من قواده ، منهم :
وصيف بن صوارتكين التركي ،
والفضل بن موسى بن بغا ،
وبشر الخادم الأفشيني ،
ورائق الخزري ، مولى أمير المؤمنين ، وغيرهم من الغلمان الحجرية ، فساروا منتصف
[ ص: 552 ] ذي الحجة حتى قاربوا
القادسية فنزلوا
بالصوان ، فلقيهم
زكرويه .
وأما
القرامطة فإنهم أنفذوا واستخرجوا
زكرويه من جب في الأرض كان منقطعا فيه سنين كثيرة ، بقرية
الدرية ، وكان على الجب باب حديد محكم العمل ، وكان
زكرويه إذا خاف الطلب جعل تنورا هناك على باب الجب ، وقامت امرأة تسجره ، فلا يفطن إليه ، وكان ربما أخفي في بيت خلف باب الدار التي كان بها ساكنا ، فإذا انفتح باب الدار انطبق على باب البيت ، فيدخل الداخل الدار فلا يرى شيئا ، فلما استخرجوه حملوه على أيديهم ، وسموه ولي الله ، ولما رأوه سجدوا له ، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته ، وأعلمهم أن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن أحمد ( من ) أعظم الناس عليهم ذمة ومنة ، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم عنه ، وأنهم إن امتثلوا أوامره أنجز موعدهم ، وبلغوا آمالهم ، ورمز لهم رموزا ذكر فيها آيات من القرآن نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه ، فاعترف له من رسخ حب الكفر في قلبه أنه رئيسهم وكهفهم ، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل .
وسار بهم وهو محجوب يدعونه السيد ولا يبرزونه ،
والقاسم يتولى الأمور ، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه ، فأقام بسقي الفرات عدة أيام ، فلم يصل إليه منهم إلا خمسمائة رجل ، ثم وافته الجنود المذكورة من عند الخليفة ، فلقيهم
زكرويه بالصوان ، وقاتلهم واشتدت الحرب بينهم ، وكانت الهزيمة أول النهار على
القرامطة وكان
زكرويه قد كمن لهم كمينا من خلفهم ، فلم يشعر أصحاب الخليفة إلا والسيف فيهم من ورائهم ، فانهزموا أقبح هزيمة ، ووضع
القرامطة السيف فيهم ، فقتلوهم كيف شاءوا ، وغنموا سوادهم ، ولم يسلم من أصحاب الخليفة إلا من دابته قوية ، أو من أثخن بالجراح ، فوضع نفسه بين القتلى ، فتحاملوا بعد ذلك .
وأخذ للخليفة في هذا العسكر أكثر من ثلاثمائة جمازة عليها المال والسلاح ، وخمسمائة بغل ، وقتل من أصحاب الخليفة ، سوى الغلمان ، ألف وخمسمائة رجل ، وقوي
القرامطة بما غنموا .
[ ص: 553 ] ولما ورد خبر هذه الوقعة إلى
بغداذ أعظمها الخليفة والناس ، وندب إلى
القرامطة محمد بن إسحاق بن كنداج ، وضم إليه من الأعراب
بني شيبان وغيرهم أكثر من ألفي رجل ، وأعطاهم الأرزاق ، ورحل
زكرويه من مكانه إلى
نهر المثنية لنتن القتلى .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33797أَمْرِ الْقَرَامِطَةِ
فِيهَا أَنْفَذَ
زَكْرَوَيْهِ بْنُ مَهْرَوَيْهِ ، بَعْدَ قَتْلِ صَاحِبِ
الشَّامَةِ ، رَجُلًا كَانَ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِالرَّافُوفَةِ مِنَ
الْفَلُّوجَةِ يُسَمَّى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ ، وَيُكَنَّى أَبَا غَانِمٍ ، فَسُمِّيَ نَصْرًا ، وَقِيلَ كَانَ
الْمُنْفِذُ ابْنَ زَكْرَوَيْهِ ، فَدَارَ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ مِنْ كَلْبٍ وَغَيْرِهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَأْيِهِ ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، إِلَّا رَجُلًا مِنْ
بَنِي زِيَادٍ يُسَمَّى
مِقْدَامَ بْنَ الْكَيَّالِ ، وَاسْتَقْوَى بِطَوَائِفَ مِنَ
الْأَصْبَغِيِّينَ الْمُنْتَمِينَ إِلَى
الْفَوَاطِمِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ
الْعُلَيْصِيِّينَ ، وَصَعَالِيكَ مِنْ سَائِرِ بُطُونِ
كَلْبٍ ، وَقَصَدَ نَاحِيَةَ
الشَّامِ ، وَالْعَامِلُ
بِدِمَشْقَ وَالْأُرْدُنِّ أَحْمَدُ بْنُ كَيْغَلَغَ ، وَهُوَ
بِمِصْرَ يُحَارِبُ
الْخَلَنْجِيَّ ، فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ، وَسَارَ إِلَى بُصْرَى
[ ص: 550 ] وَأَذْرِعَاتٍ وَالْبَثَنَيَّةِ ، فَحَارَبَ أَهْلَهَا ، ثُمَّ أَمَّنَهُمْ ، فَلَمَّا اسْتَسْلَمُوا إِلَيْهِ قَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ .
ثُمَّ قَصَدَ
دِمَشْقَ ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ
نَائِبُ ابْنِ كَيْغَلَغَ ، وَهُوَ
صَالِحُ بْنُ الْفَضْلِ ، فَهَزَمَهُ
الْقَرَامِطَةُ ، وَأَثْخَنُوا فِيهِمْ ، ثُمَّ [ أَمَّنُوهُمْ ] وَغَدَرُوهُمْ بِالْأَمَانِ ، وَقَتَلُوا صَالِحًا ، وَفَضُّوا عَسْكَرَهُ ، وَسَارُوا إِلَى
دِمَشْقَ ، فَمَنَعَهُمْ أَهْلُهَا ، فَقَصَدُوا
طَبَرِيَّةَ ، وَانْضَافَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ جُنْدِ
دِمَشْقَ افْتُتِنُوا بِهِ ، فَوَاقَعَهُمْ
يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَغَامَرْدِيِّ ، وَهُوَ خَلِيفَةُ
أَحْمَدَ بْنِ كَيْغَلَغَ بِالْأُرْدُنِّ ، فَهَزَمُوهُ ، وَبَذَلُوا لَهُ الْأَمَانَ ، وَغَدَرُوا بِهِ ، وَقَتَلُوهُ ، وَنَهَبُوا
طَبَرِيَّةَ ، وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا وَسَبَوُا النِّسَاءَ .
فَأَنْفَذَ
الْخَلِيفَةُ الْحُسَيْنَ بْنَ حَمْدَانَ وَجَمَاعَةً مِنَ الْقُوَّادِ فِي طَلَبِهِمْ ، فَوَرَدُوا
دِمَشْقَ ، فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمُ
الْقَرَامِطَةُ رَجَعُوا نَحْوَ السَّمَاوَةِ ، وَتَبِعَهُمُ
الْحُسَيْنُ فِي
السَّمَاوَةِ وَهُمْ يَنْتَقِلُونَ فِي الْمِيَاهِ وَيُغَوِّرُونَهَا ، حَتَّى لَجَئُوا إِلَى مَاءَيْنِ يُعْرَفُ أَحَدُهُمَا بِالدِّمْعَانَةِ ، وَالْآخَرُ بِالْحَبَالَةِ .
وَانْقَطَعَ
ابْنُ حَمْدَانَ عَنْهُمْ لِعَدَمِ الْمَاءِ ، وَعَادَ إِلَى
الرَّحْبَةِ ، وَأَسْرَى
الْقَرَامِطَةُ مَعَ نَصْرٍ إِلَى هِيتَ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ، فَنَهَبُوا رَبَضَهَا ، وَامْتَنَعَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِسُورِهِمْ ، وَنَهَبُوا السُّفُنَ ، وَقَتَلُوا مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِائَتَيْ نَفْسٍ ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ وَالْمَتَاعَ ، وَأَوْقَرُوا ثَلَاثَةَ آلَافِ رَاحِلَةٍ مِنَ الْحِنْطَةِ .
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى
الْمُكْتَفِي فَسَيَّرَ
مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجَ ، فَلَمْ يُقِيمُوا
لِمُحَمَّدٍ ، وَرَجَعُوا إِلَى الْمَاءَيْنِ فَنَهَضَ
مُحَمَّدٌ خَلْفَهُمْ ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ غَوَّرُوا الْمِيَاهَ ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ مِنْ
بَغْدَاذَ الْأَزْوَادَ وَالدَّوَابَّ ، وَكَتَبَ إِلَى
ابْنِ حَمْدَانَ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الرَّحْبَةِ لِيَجْتَمِعَ هُوَ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْإِيقَاعِ بِهِمْ ، فَفَعَلَ ذَلِكَ .
فَلَمَّا أَحَسَّ
الْكَلْبِيُّونَ بِإِقْبَالِ الْجَيْشِ إِلَيْهِمْ وَثَبُوا بِنَصْرٍ فَقَتَلُوهُ ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ
الذِّئْبُ بْنُ الْقَائِمِ ، وَسَارَ بِرَأْسِهِ إِلَى
الْمُكْتَفِي مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ ، مُسْتَأْمِنًا ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ ، وَأُجِيزَ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ ، وَأَمَرَ بِالْكَفِّ عَنْ قَوْمِهِ .
[ ص: 551 ] وَاقْتَتَلَتِ
الْقَرَامِطَةُ بَعْدَ نَصْرٍ حَتَّى صَارَتْ بَيْنَهُمُ الدِّمَاءُ ، وَسَارَتْ فِرْقَةٌ كَرَّهَتْ أُمُورَهُمْ إِلَى
بَنِي أَسَدٍ بِنَوَاحِي عَيْنِ التَّمْرِ ، وَاعْتَذَرُوا إِلَى الْخَلِيفَةِ ، فَقَبِلَ عُذْرَهُمْ ، وَبَقِيَ عَلَى الْمَاءَيْنِ بَقِيَّتُهُمْ مِمَّنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فِي دِينِهِ ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى
ابْنِ حَمْدَانَ يَأْمُرُهُ بِمُعَاوَدَتِهِمْ ، وَاجْتِثَاثِ أَصْلِهِمْ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
زَكْرَوَيْهِ بْنُ مَهْرَوَيْهِ دَاعِيَةً لَهُ يُسَمَّى
الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ ، وَيُعْرَفُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ فِعْلَ الذِّئْبِ قَدْ نَفَّرَهُ مِنْهُمْ ، وَأَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ ، وَأَنَّ وَقْتَ ظُهُورِهِمْ قَدْ حَضَرَ ، وَقَدْ بَايَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا ، وَأَنَّ يَوْمَ مَوْعِدِهِمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي شَأْنِ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدُوِّهِ فِرْعَوْنَ إِذْ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=59قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَفُوا أَمْرَهُمْ ، وَأَنْ يَسِيرُوا حَتَّى يُصَبِّحُوا
الْكُوفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا ، وَأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُمْ ، وَيُنْجِزُ لَهُمْ وَعْدَهُ الَّذِي يَعِدُهُمْ إِيَّاهُ ، وَأَنْ يَحْمِلُوا إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ .
فَامْتَثَلُوا رَأْيَهُ ، وَوَافَوْا بَابَ
الْكُوفَةِ وَقَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ عَنْ مُصَلَّاهُمْ ، وَعَامِلُهُمْ
إِسْحَاقُ بْنُ عِمْرَانَ ، وَوَصَلُوهَا فِي ثَمَانِمِائَةِ فَارِسٍ عَلَيْهِمُ الدُّرُوعُ ، وَالْجَوَاشِنُ ، وَالْآلَاتُ الْحَسَنَةُ ، وَقَدْ ضَرَبُوا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمِ بْنِ أَحْمَدَ قُبَّةً ، وَقَالُوا هَذَا أَثَرُ رَسُولِ اللَّهِ ، وَنَادَوْا : يَا لَثَارَاتِ
الْحُسَيْنِ ، يَعْنُونَ
الْحُسَيْنَ بْنَ زَكْرَوَيْهِ الْمَصْلُوبَ
بِبَغْدَاذَ ، وَشِعَارُهُمْ : يَا أَحْمَدُ ، يَا مُحَمَّدُ ، يَعْنُونَ
ابْنِيْ زَكْرَوَيْهِ الْمَقْتُولَيْنِ ، فَأَظْهَرُوا الْأَعْلَامَ الْبِيضَ ، وَأَرَادُوا اسْتِمَالَةَ رَعَاعَ النَّاسِ
بِالْكُوفَةِ بِذَلِكَ ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ ، فَأَوْقَعَ
الْقَرَامِطَةُ بِمَنْ لَحِقُوهُ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ ، وَقَتَلُوا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا .
وَبَادَرَ النَّاسُ
الْكُوفَةَ ، وَأَخَذُوا السِّلَاحَ ، وَنَهَضَ بِهِمْ
إِسْحَاقُ ، وَدَخَلَ مَدِينَةَ
الْكُوفَةِ مِنَ
الْقَرَامِطَةِ مِائَةُ فَارِسٍ ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ نَفْسًا ، وَأُخْرِجُوا عَنْهَا ، وَظَهَرَ
إِسْحَاقُ ، وَحَارَبَهُمْ إِلَى الْعَصْرِ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا نَحْوَ
الْقَادِسِيَّةِ ، وَكَانَ فِيمَنْ يُقَاتِلُهُمْ مَعَ
إِسْحَاقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الطَّالِبِيَّةِ .
وَكَتَبَ
إِسْحَاقُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَمِدُّهُ ، فَأَمَدَّهُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ قُوَّادِهِ ، مِنْهُمْ :
وَصِيفُ بْنُ صُوَارِتِكِينَ التُّرْكِيُّ ،
وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى بْنِ بُغَا ،
وَبِشْرٌ الْخَادِمُ الْأَفْشِينِيُّ ،
وَرَائِقٌ الْخَزَرِيُّ ، مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْغِلْمَانِ الْحُجَرِيَّةِ ، فَسَارُوا مُنْتَصَفَ
[ ص: 552 ] ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى قَارَبُوا
الْقَادِسِيَّةَ فَنَزَلُوا
بِالصَّوَّانِ ، فَلَقِيَهُمْ
زَكْرَوَيْهِ .
وَأَمَّا
الْقَرَامِطَةُ فَإِنَّهُمْ أَنْفَذُوا وَاسْتَخْرَجُوا
زَكْرَوَيْهِ مِنْ جُبٍّ فِي الْأَرْضِ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيهِ سِنِينَ كَثِيرَةً ، بِقَرْيَةِ
الدَّرِيَّةِ ، وَكَانَ عَلَى الْجُبِّ بَابٌ حَدِيدٌ مُحْكَمُ الْعَمَلِ ، وَكَانَ
زَكْرَوَيْهِ إِذَا خَافَ الطَّلَبَ جَعَلَ تَنُّورًا هُنَاكَ عَلَى بَابِ الْجُبِّ ، وَقَامَتِ امْرَأَةٌ تَسْجُرُهُ ، فَلَا يُفْطَنُ إِلَيْهِ ، وَكَانَ رُبَّمَا أُخْفِيَ فِي بَيْتٍ خَلْفَ بَابِ الدَّارِ الَّتِي كَانَ بِهَا سَاكِنًا ، فَإِذَا انْفَتَحَ بَابُ الدَّارِ انْطَبَقَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ ، فَيَدْخُلُ الدَّاخِلُ الدَّارَ فَلَا يَرَى شَيْئًا ، فَلَمَّا اسْتَخْرَجُوهُ حَمَلُوهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ ، وَسَمَّوْهُ وَلِيَّ اللَّهِ ، وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ ، وَحَضَرَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ دُعَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14946الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ ( مِنْ ) أَعْظَمِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ذِمَّةً وَمِنَّةً ، وَأَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى الدِّينِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ عَنْهُ ، وَأَنَّهُمْ إِنِ امْتَثَلُوا أَوَامِرَهُ أَنْجَزَ مَوْعِدَهُمْ ، وَبَلَغُوا آمَالَهُمْ ، وَرَمَّزَ لَهُمْ رُمُوزًا ذَكَرَ فِيهَا آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَقَلَهَا عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ ، فَاعْتَرَفَ لَهُ مَنْ رَسَخَ حُبُّ الْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ رَئِيسُهُمْ وَكَهْفُهُمْ ، وَأَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ وَبُلُوغِ الْأَمَلِ .
وَسَارَ بِهِمْ وَهُوَ مَحْجُوبٌ يَدْعُونَهُ السَّيِّدَ وَلَا يُبْرِزُونَهُ ،
وَالْقَاسِمُ يَتَوَلَّى الْأُمُورَ ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ قَاطِبَةً خَارِجُونَ إِلَيْهِ ، فَأَقَامَ بِسَقْيِ الْفُرَاتِ عِدَّةَ أَيَّامٍ ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ إِلَّا خَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ ، ثُمَّ وَافَتْهُ الْجُنُودُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ عِنْدِ الْخَلِيفَةِ ، فَلَقِيَهُمْ
زَكْرَوَيْهِ بِالصَّوَّانِ ، وَقَاتَلَهُمْ وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ أَوَّلَ النَّهَارِ عَلَى
الْقَرَامِطَةِ وَكَانَ
زَكْرَوَيْهِ قَدْ كَمَّنَ لَهُمْ كَمِينًا مِنْ خَلْفِهِمْ ، فَلَمْ يَشْعُرْ أَصْحَابُ الْخَلِيفَةِ إِلَّا وَالسَّيْفُ فِيهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ ، فَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ ، وَوَضَعَ
الْقَرَامِطَةُ السَّيْفَ فِيهِمْ ، فَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا ، وَغَنِمُوا سَوَادَهُمْ ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ إِلَّا مَنْ دَابَّتُهُ قَوِيَّةٌ ، أَوْ مَنْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ ، فَوَضَعَ نَفْسَهُ بَيْنَ الْقَتْلَى ، فَتَحَامَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ .
وَأُخِذَ لِلْخَلِيفَةِ فِي هَذَا الْعَسْكَرِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جَمَّازَةٍ عَلَيْهَا الْمَالُ وَالسِّلَاحُ ، وَخَمْسُمِائَةِ بَغْلٍ ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ ، سِوَى الْغِلْمَانِ ، أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ ، وَقَوِيَ
الْقَرَامِطَةُ بِمَا غَنِمُوا .
[ ص: 553 ] وَلَمَّا وَرَدَ خَبَرُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ إِلَى
بَغْدَاذَ أَعْظَمَهَا الْخَلِيفَةُ وَالنَّاسُ ، وَنَدَبَ إِلَى
الْقَرَامِطَةِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجَ ، وَضَمَّ إِلَيْهِ مِنَ الْأَعْرَابِ
بَنِي شَيْبَانَ وَغَيْرَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ رَجُلٍ ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَرْزَاقَ ، وَرَحَلَ
زَكْرَوَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى
نَهْرِ الْمُثْنِيَةِ لِنَتَنِ الْقَتْلَى .