ذكر سبب اتصال   المهدي عبيد الله  بأبي عبد الله الشيعي  ومسيره إلى سجلماسة   
لما توفي   عبد الله بن ميمون القداح  ادعى ولده أنهم من ولد   عقيل بن أبي طالب  ، وهم مع هذا يسترون ، ويسرون أمرهم ، ويخفون أشخاصهم . 
وكان ولده  أحمد  هو المشار إليه منهم ، فتوفي وخلف ولده  محمدا  ، وكان هو الذي يكاتبه الدعاة في البلاد ، وتوفي  محمد  وخلف  أحمد  والحسين  ، فسار  الحسين  إلى سلمية  من أرض حمص  ، وله بها ودائع وأموال من ودائع جده  عبد الله القداح  ، ووكلاء ، وغلمان ، وبقي ببغداذ  من أولاد  القداح  أبو الشلغلغ     . 
وكان  الحسين  يدعي أنه الوصي وصاحب الأمر ، والدعاة باليمن  والمغرب  يكاتبونه ويراسلونه ، واتفق أنه جرى بحضرته حديث النساء بسلمية  ، فوصفوا له امرأة 
 [ ص: 588 ] رجل يهودي حداد ، مات عنها زوجها ، وهي في غاية الحسن ، فتزوجها ، ولها ولد من الحداد يماثلها في الجمال ، فأحبها وحسن موقعها معه ، وأحب ولدها ، وأدبه ، وعلمه ، فتعلم العلم ، وصارت له نفس عظيمة ، وهمة كبيرة . 
فمن العلماء من أهل هذه الدعوة من يقول : إن الإمام الذي كان بسلمية  ، وهو  الحسين  ، مات ولم يكن [ له ] ولد ، فعهد إلى ابن اليهودي الحداد ، وهو  عبيد الله  ، وعرفه أسرار الدعوة من قول وفعل ، وأين الدعاة ، وأعطاه الأموال والعلامات ، وتقدم إلى أصحابه بطاعته وخدمته ، وأنه الإمام والوصي ، وزوجه ابنة عمه  أبي الشلغلغ     . 
وهذا قول  أبي القاسم الأبيض العلوي  وغيره ، وجعل لنفسه نسبا ، وهو  عبيد الله بن الحسن بن علي ( بن محمد بن علي ) بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب     . 
وبعض الناس يقولون ، وهم قليل : إن  عبيد الله     ( هذا من ولد  القداح  ، وهذه الأقوال فيها ما فيها ، فيا ليت شعري ما الذي حمل  أبا عبد الله ) الشيعي  وغيره ممن قام بإظهار هذه الدعوة ، حتى يخرجوا ( هذا ) الأمر من أنفسهم ، ويسلموا إلى ولد يهودي ، وهل يسامح نفسه بهذا الأمر من يعتقده دينا يثاب عليه ؟ 
قال : فلما عهد  الحسين  إلى  عبيد الله  قال له : إنك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة ، وتلقى محنا شديدة ، فتوفي  الحسين  ، وقام بعده  عبيد الله  ، وانتشرت دعوته ، وبذل الأموال خلاف ما تقدم ، وأرسل إليه  أبو عبد الله  رجالا من كتامة  من المغرب  ليخبروه بما فتح الله عليه ، وأنهم ينتظرونه . 
وشاع خبره عند الناس أيام المكتفي  فطلب ، فهرب هو وولده  أبو القاسم نزار   [ ص: 589 ] الذي ولي بعده ، وتلقب  بالقائم  ، وهو يومئذ غلام ، وخرج معه خاصته ومواليه يريد المغرب  ، وذلك أيام  زيادة الله  ، فلما انتهى إلى مصر  أقام مستترا بزي التجار ، وكان عامل مصر  حينئذ  عيسى النوشري  ، فأتته الكتب من الخليفة بصفته وحليته ، وأمر بالقبض عليه وعلى كل من يشبهه . 
وكان بعض خاصة  عيسى  متشيعا ، فأخبر  المهدي  وأشار عليه بالانصراف ، فخرج من مصر  مع أصحابه ، ومعه أموال كثيرة ، فأوسع النفقة على من صحبه ، فلما وصل الكتاب إلى  النوشري  فرق الرسل في طلب  المهدي  وخرج بنفسه فلحقه ، فلما رآه لم يشك فيه ، فقبض عليه ، ونزل ببستان  ، ووكل به ، فلما حضر الطعام دعاه ليأكل ، فأعلمه أنه صائم ، فرق له ، وقال له : أعلمني بحقيقة حالك حتى أطلقك ، فخوفه بالله تعالى ، وأنكر حاله ، ولم يزل يخوفه ويتلطفه فأطلقه ، وخلى سبيله ، وأراد أن يرسل معه من يوصله إلى رفقته ، فقال : لا حاجة بي إلى ذلك ، ودعا له . 
وقيل : إنه أعطاه في الباطن مالا حتى أطلقه ، فرجع ( بعض ) أصحاب  النوشري  عليه باللوم ، فندم على إطلاقه ، وأراد إرسال الجيش وراءه ليردوه ، وكان  المهدي  لما لحق أصحابه رأى ابنه  أبا القاسم  قد ضيع كلبا كان له يصيد به ، وهو يبكي عليه ، فعرفه عبيده أنهم تركوه في البستان الذي كانوا فيه ، فرجع  المهدي  بسبب الكلب ، حتى دخل البستان ومعه عبيده ، فرآهم  النوشري  فسأل عنهم فقيل : إنه فلان ، وقد عاد بسبب كذا وكذا ، فقال  النوشري  لأصحابه : قبحكم الله ! أردتم أن تحملوني على قتل هذا حتى آخذه ، فلو كان يطلب ما يقال أو كان مريبا لكان يطوي المراحل ، ويخفي نفسه ، وما كان رجع في طلب كلب ، وتركه . 
وجد  المهدي  في الهرب ، فلحقه ( لصوص بموضع يقال له الطاحونة ، فأخذوا   [ ص: 590 ] بعض متاعه ، وكانت عنده كتب وملاحم لآبائه ، فأخذت ) ، فعظم أمرها عليه ، فيقال إنه لما خرج ابنه  أبو القاسم  في المرة الأولى إلى الديار المصرية أخذها من ذلك المكان . 
وانتهى  المهدي  وولده إلى مدينة طرابلس  ، وتفرق من صحبه من التجار ، وكان في صحبته  أبو العباس أخو أبي عبد الله الشيعي  ، فقدمه  المهدي  إلى القيروان  ببعض ما معه ، وأمره أن يلحق بكتامة    . فلما وصل  أبو العباس  إلى القيروان  وجد الخبر قد سبقه إلى  زيادة الله  بخبر  المهدي  ، فسأل عنه رفقته ، فأخبروا أنه تخلف بطرابلس  ، وأن صاحبه  أبا العباس  بالقيروان  ، فأخذ  أبو العباس  ، وقرر فأنكر ، وقال : إنما أنا رجل تاجر صحبت رجلا في القفل ، فحبسه . 
وسمع  المهدي  ، فسار إلى قسطيلة  ، ووصل كتاب  زيادة الله  إلى عامل طرابلس  بأخذه ، وكان  المهدي  قد أهدى له واجتمع به ، فكتب العامل يخبره أنه قد سار ولم يدركه ، فلما وصل  المهدي  إلى قسطيلة  ترك قصد  أبي عبد الله الشيعي  ، لأن أخاه  أبا العباس  كان قد أخذ ، فعلم أنه إذا قصد أخاه تحققوا الأمر وقتلوه ، فتركه وسار إلى سجلماسة  ، ولما سار من قسطيلة  وصل الرسل في طلبه فلم يوجد ، ووصل سجلماسة  ، فأقام بها ، وفي كل ذلك عليه العيون في طريقه . 
وكان صاحب سجلماسة  رجلا يسمى  أليسع بن مدرار  ، فأهدى له  المهدي  ، وواصله ، فقربه  أليسع  ، وأحبه ، فأتاه كتاب  زيادة الله  يعرفه أنه الرجل الذي يدعو إليه  أبو عبد الله الشيعي  ، فقبض عليه وحبسه ، فلم يزل محبوسا حتى أخرجه  أبو عبد الله  على ما نذكره . 
				
						
						
