ذكر موت  السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل  
 في هذه السنة توفي  السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل  صاحب خراسان  وما وراء النهر    ( في رجب ) ، وكان مرضه السل ، فبقي مريضا ثلاثة عشر شهرا ، ولم يكن بقي من مشايخ دولتهم أحد ، فإنهم كانوا قد سعى بعضهم ببعض ، فهلك بعضهم ، ومات بعضهم ، وكانت ولايته ثلاثين سنة ( وثلاثة وثلاثين يوما ، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة ) . 
وكان حليما ، كريما ، عاقلا ، فمن حلمه أن بعض الخدم سرق جوهرا نفيسا وباعه   [ ص: 120 ] من بعض التجار بثلاثة عشر ألف درهم ، فحضر التاجر عند  السعيد  ، وأعلمه أنه قد اشترى جوهرا نفيسا لا يصلح إلا للسلطان ، وأحضر الجوهر عنده ، فحين رآه عرفه أنه كان له وقد سرق ، فسأله عن ثمنه ، ومن أين اشتراه ، فذكر له الخادم والثمن ، فأمر فأحضر ثمنه في الحال ، وأربحه ألفي درهم زيادة . 
ثم إن التاجر سأله في دم الخادم ، فقال : لا بد من تأديبه ، وأما دمه فهو لك ، فأحضره وأدبه ، ثم أنفذه إلى التاجر ، وقال : كنا وهبنا لك دمه ، فقد أنفذناه إليك ، فلو أن صاحب الجوهر بعض الرعايا ، لقال : هذا مالي قد عاد إلي ، وخذ أنت مالك ممن سلمته إليه . 
وحكي أنه استعرض جنده ، وفيهم إنسان اسمه  نصر بن أحمد  ، فلما بلغه العرض ، سأله عن اسمه فسكت ، فأعاد السؤال فلم يجبه ، فقال بعض من حضر : اسمه  نصر بن أحمد  ، وإنما سكت إجلالا للأمير ، فقال  السعيد     : إذا يوجب حقه ، ونزيد في رزقه ، ثم قربه وزاد في أرزاقه . 
وحكي عنه أنه لما خرج عليه أخوه  أبو زكرياء  ، نهب خزائنه وأمواله ، فلما عاد  السعيد  إلى ملكه ، قيل له عن جماعة انتهبوا ماله ، فلم يعرض إليهم ، وأخبروه أن بعض السوقة اشترى منها سكينا نفيسا بمائتي درهم ، فأرسل إليه وأعطاه مائتي درهم وطلب السكين ، فأبى أن يبيعه إلا بألف درهم ، فقال : ألا تعجبون من هذا ؟ أرى عنده مالي فلم أعاقبه ، وأعطيته حقه ، فاشتط في الطلب ، ثم أمر برضائه . 
وحكي أنه طال مرضه فبقي به ثلاثة عشر شهرا ، فأقبل على الصلاة والعبادة ، وبنى له في قصره بيتا سماه بيت العبادة ، فكان يلبس ثيابا نظافا ويمشي إليه حافيا ، ويصلي فيه ، ويدعو ويتضرع ، ويجتنب المنكرات والآثام إلى أن مات ودفن عند والده . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					