فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج يبس الطبع  ، واحتياجه إلى ما يمشيه ويلينه 
روى  الترمذي  في " جامعه "  وابن ماجه  في " سننه " من حديث  أسماء بنت عميس  قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بماذا كنت تستمشين ؟ قالت بالشبرم ، قال " حار جار " قالت : ثم استمشيت بالسنا فقال " لو كان شيء يشفي من الموت لكان السنا  ) . 
 [ ص: 68 ] وفي " سنن  ابن ماجه   " عن  إبراهيم بن أبي عبلة  ، قال : سمعت عبد الله بن أم حرام  ، وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( عليكم بالسنا والسنوت ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام " قيل يا رسول الله ! وما السام ؟ قال : الموت  ) . 
قوله ( بماذا كنت تستمشين  ) ؟ أي تلينين الطبع حتى يمشي ولا يصير بمنزلة الواقف ، فيؤذي باحتباس النجو ، ولهذا سمي الدواء المسهل مشيا على وزن فعيل . وقيل : لأن المسهول يكثر المشي والاختلاف للحاجة ، وقد روي : ( بماذا تستشفين ؟ فقالت بالشبرم  ) وهو من جملة الأدوية اليتوعية ، وهو قشر عرق شجرة ، وهو حار يابس في الدرجة الرابعة ، وأجوده المائل إلى الحمرة ، الخفيف الرقيق الذي يشبه الجلد الملفوف ، وبالجملة فهو من الأدوية التي أوصى الأطباء بترك استعمالها لخطرها وفرط إسهالها . 
وقوله صلى الله عليه وسلم : " حار جار " ويروى : ( حار يار ) ، قال أبو عبيد   : وأكثر كلامهم بالياء . قلت : وفيه قولان أحدهما : أن الحار الجار بالجيم : الشديد الإسهال ، فوصفه بالحرارة وشدة الإسهال وكذلك هو ، قاله  أبو حنيفة  الدينوري . 
والثاني - وهو الصواب - أن هذا من الإتباع الذي يقصد به تأكيد الأول ، ويكون بين التأكيد اللفظي والمعنوي ولهذا يراعون فيه إتباعه في أكثر حروفه ، كقولهم : حسن بسن ، أي كامل الحسن ، وقولهم حسن قسن بالقاف ، ومنه شيطان ليطان ، وحار جار مع أن في الجار معنى آخر ، وهو  [ ص: 69 ] الذي يجر الشيء الذي يصيبه من شدة حرارته وجذبه له ، كأنه ينزعه ويسلخه . ويار إما لغة في جار ، كقولهم صهري وصهريج ، والصهاري والصهاريج ، وإما إتباع مستقل . 
وأما السنا ففيه لغتان : المد والقصر ، وهو نبت حجازي أفضله المكي ، وهو دواء شريف مأمون الغائلة ، قريب من الاعتدال ، حار يابس في الدرجة الأولى ، يسهل الصفراء والسوداء ، ويقوي جرم القلب ، وهذه فضيلة شريفة فيه ، وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ، ومن الشقاق العارض في البدن ، ويفتح العضل وينفع من انتشار الشعر ، ومن القمل والصداع العتيق ، والجرب والبثور ، والحكة والصرع ، وشرب مائه مطبوخا أصلح من شربه مدقوقا ، ومقدار الشربة منه ثلاثة دراهم ، ومن مائه خمسة دراهم ، وإن طبخ معه شيء من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم ، كان أصلح . 
قال الرازي : السناء والشاهترج يسهلان الأخلاط المحترقة ، وينفعان من الجرب والحكة ، والشربة من كل واحد منهما من أربعة دراهم إلى سبعة دراهم . 
وأما السنوت ففيه ثمانية أقوال : أحدها : أنه العسل . والثاني : أنه رب عكة السمن يخرج خططا سوداء على السمن ، حكاهما عمرو بن بكر السكسكي   . الثالث : أنه حب يشبه الكمون وليس به ، قاله  ابن الأعرابي   . الرابع : أنه الكمون الكرماني . الخامس : أنه الرازيانج . حكاهما  أبو حنيفة الدينوري  عن بعض الأعراب . السادس : أنه الشبت . السابع : أنه التمر حكاهما  أبو بكر بن السني  الحافظ . الثامن : أنه العسل الذي يكون في زقاق السمن ، حكاه عبد اللطيف البغدادي   . قال بعض الأطباء : وهذا أجدر  [ ص: 70 ] بالمعنى وأقرب إلى الصواب ، أي يخلط السناء مدقوقا بالعسل المخالط للسمن ، ثم يلعق فيكون أصلح من استعماله مفردا لما في العسل والسمن من إصلاح السنا ، وإعانته له على الإسهال . والله أعلم . 
وقد روى  الترمذي  وغيره من حديث  ابن عباس  يرفعه : ( إن خير ما تداويتم به السعوط واللدود والحجامة والمشي  ) والمشي هو الذي يمشي الطبع ويلينه ويسهل خروج الخارج . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					