الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 202 ] فصل

في هديه - صلى الله عليه وسلم - في هيئة الجلوس للأكل

صح عنه أنه قال : ( " لا آكل متكئا " ، وقال : " إنما أجلس كما يجلس العبد ، وآكل كما يأكل العبد " ) .

وروى ابن ماجه في سننه " أنه ( نهى أن يأكل الرجل وهو منبطح على وجهه ) .

وقد فسر الاتكاء بالتربع ، وفسر بالاتكاء على الشيء ، وهو الاعتماد عليه ، وفسر بالاتكاء على الجنب . والأنواع الثلاثة من الاتكاء ، فنوع منها يضر بالآكل ، وهو الاتكاء على الجنب ، فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئته ، ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة ، ويضغط المعدة فلا يستحكم فتحها للغذاء ، وأيضا فإنها تميل ولا تبقى منتصبة ، فلا يصل الغذاء إليها بسهولة .

[ ص: 203 ] وأما النوعان الآخران : فمن جلوس الجبابرة المنافي للعبودية ، ولهذا قال : ( آكل كما يأكل العبد ) ، ( وكان يأكل وهو مقع ) ، ويذكر عنه أنه كان يجلس للأكل متوركا على ركبتيه ، ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعا لربه عز وجل ، وأدبا بين يديه ، واحتراما للطعام وللمؤاكل ، فهذه الهيئة أنفع هيئات الأكل وأفضلها ؛ لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقها الله سبحانه عليه مع ما فيها من الهيئة الأدبية ، وأجود ما اغتذى الإنسان إذا كانت أعضاؤه على وضعها الطبيعي ، ولا يكون كذلك إلا إذا كان الإنسان منتصبا الانتصاب الطبيعي ، وأردأ الجلسات للأكل الاتكاء على الجنب ، لما تقدم من أن المريء وأعضاء الازدراد تضيق عند هذه الهيئة ، والمعدة لا تبقى على وضعها الطبيعي ، لأنها تنعصر مما يلي البطن بالأرض ، ومما يلي الظهر بالحجاب الفاصل بين آلات الغذاء ، وآلات التنفس .

وإن كان المراد بالاتكاء الاعتماد على الوسائد والوطاء الذي تحت الجالس ، فيكون المعنى أني إذا أكلت لم أقعد متكئا على الأوطية والوسائد ، كفعل الجبابرة ، ومن يريد الإكثار من الطعام ، لكني آكل بلغة كما يأكل العبد .

التالي السابق


الخدمات العلمية