الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على حكم الحج والعمرة وشرط صحتهما وشرط وجوب الحج وما يتعلق بذلك شرع يتكلم على المقصود بالذات منهما وهو أركانهما وواجباتهما وسننهما ومندوباتهما وما يتعلق بذلك فقال :

( وركنهما ) أي الحج والعمرة ثلاثة ويختص الحج برابع وهو الوقوف بعرفة ، الأول ( الإحرام ) وهو نية أحد النسكين مع قول ، أو فعل متعلقين به كالتلبية والتجرد من المخيط كما يأتي والراجح النية فقط وله ميقاتان زماني ومكاني أشار للأول بقوله ( ووقته ) أي ابتداء وقته بالنسبة ( للحج شوال ) لفجر يوم النحر ويمتد زمن الإحلال منه ( لآخر الحجة ) وليس المراد أن جميع الزمن الذي ذكره وقت لجواز الإحرام كما يوهمه لفظه بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإحرام به وهو من شوال لطلوع فجر يوم النحر ، بعضه وقت لجواز التحلل وهو من فجر يوم النحر لآخر الحجة والأفضل لأهل مكة الإحرام من أول الحجة على المعتمد وقبل يوم التروية ( وكره ) الإحرام ( قبله ) أي قبل شوال [ ص: 22 ] وانعقد كما سيذكره ( كمكانه ) أي كما يكره الإحرام قبل مكانه الآتي بيانه ( وفي ) كراهة الإحرام بهما من ( رابغ ) بناء على أنها قبل الجحفة ، وعدم كراهته لأنه من أعمال الجحفة ومتصل بها وهو الأرجح ( تردد وصح ) الإحرام قبل ميقاته الزماني والمكاني ; لأنه وقت كمال لا وقت وجوب ( و ) وقته بالنسبة ( للعمرة أبدا ) أي في أي وقت من السنة ( إلا لمحرم بحج فلتحلله ) منه بالفراغ من جميع أفعاله من طواف وسعي ورمي الرابع ، أو قدر رميه لمن تعجل بأن يمضي بعد الزوال من اليوم الرابع ما يسع الرمي فإن أحرم بها قبل ذلك لم ينعقد ( وكره ) الإحرام بها ( بعدهما ) أي بعد التحللين الأصغر والأكبر والأولى بعده بالإفراد أي بعد التحلل المذكور وهو الفراغ من جميع أفعال الحج ( وقبل غروب ) اليوم ( الرابع ) فإن أحرم صح إحرامه بها لكن لا يفعل منها شيئا حتى تغرب الشمس ، وإلا لم يعتد به على المذهب حتى لو تحلل منها قبل الغروب ووطئ أفسدها وقضاها بعد إتمامها بعد الغروب . .

التالي السابق


( قوله : وهو أركانهما إلخ ) اعلم أن الركن هو ما لا بد من فعله ولا يجزئ بدلا عنه دم ولا غيره وهي الإحرام والطواف والسعي ويزيد الحج على العمرة بالوقوف بعرفة وهي ثلاث أقسام : قسم يفوت الحج بتركه ولا يؤمر بشيء وهو الإحرام ، وقسم يفوت الحج بفواته ويؤمر بالتحلل بعمرة وبالقضاء في العام القابل وهو الوقوف ، وقسم لا يفوت الحج بفواته ولا يتحلل من الإحرام ولو وصل لأقصى المشرق أو المغرب رجع لمكة ليفعله وهو طواف الإفاضة والسعي . ( قوله : وواجباتهما ) هي ما يطلب بالإتيان بها فإن ترك شيئا منها لزمه دم كطواف القدوم والتلبية ورمي العقبة وغير ذلك وجزم ابن الحاج وابن فرحون بالتأثيم بترك شيء منها وتردد الطرطوشي في الإثم . ( قوله : وسننهما ) هي ما يطلب بالإتيان بها ولا يلزمه دم لتركها . ( قوله : ثلاثة ) هي الإحرام والطواف والسعي . ( قوله : ويختص الحج برابع إلخ ) اعلم أن الأركان الأربعة التي ذكرها المصنف للحج منها ثلاثة مجمع عليها وهي الإحرام والوقوف والطواف وأما السعي فالمشهور أنه ركن في الحج والعمرة وروى ابن القصار أنه واجب يجبر بالدم وليس بركن وبه قال أبو حنيفة وزاد ابن الماجشون في الأركان الوقوف بالمشعر الحرام ورمي العقبة والمشهور أنهما غير ركنين بل الأول مستحب والثاني واجب يجبر بالدم وحكى ابن عبد البر قولا بركنية طواف القدوم وليس بمعروف بل المذهب أنه واجب يجبر بالدم واختلف في اثنين خارج المذهب وهما النزول بالمزدلفة والحلاق والمذهب عندنا أنهما واجبان يجبران بالدم فهذه تسعة أركان بين مجمع عليه ومختلف فيه في المذهب وخارجه قال ح ينبغي للإنسان إذا أتى بهذه الأشياء أن ينوي الركنية ليخرج من الخلاف وليكثر الثواب أشار له الشبيبي ا هـ بن . ( قوله : والراجح أنه النية فقط ) أي نية الدخول في حرمات الحج أو العمرة المنسحبة حكما لآخر النسك وأما التلبية والتجرد فكل منهما واجب على حدته يجبر بالدم . ( قوله : ووقته ) أي الذي يجوز فيه من غير كراهة . ( قوله : لفجر يوم النحر ) الأولى إلى قدر الوقوف قبل الفجر ليلة النحر تأمل . ( قوله : ويمتد زمن الإحلال منه لآخر الحجة ) أي من فجر يوم النحر لآخر الحجة . ( قوله : وليس المراد أن جميع الزمن الذي ذكره وقت لجواز الإحرام ) أي لأنه يكره بعد فجر يوم النحر ; لأنه حينئذ إحرام للعام القابل قبل وقته فيكره . ( قوله : بل المراد إلخ ) هذا المراد ، وإن اندفع به الاعتراض على المصنف لكنه لا دليل عليه في كلامه على أن المقصود بيان الوقت الذي يبتدأ فيه الإحرام بالحج لا وقت التحلل منه . ( قوله : والأفضل لأهل مكة الإحرام من أول الحجة إلخ ) . [ ص: 22 ] أي وحينئذ فقول المصنف ووقته للحج شوال بالنسبة لغيرهم . ( قوله : وانعقد ) أي على المشهور وعن مالك عدم انعقاده كذا في عبق ومثله في ح عن ابن فرحون . ( قوله : تردد ) أي بين شيخي المصنف فالأول لسيدي عبد الله بن الحاج صاحب المدخل والثاني لسيدي عبد الله المنوفي نقلا عن شيخه الزواوي . ( قوله : وصح الإحرام قبل ميقاته الزماني ) أي على المشهور وقوله " والمكاني " أي اتفاقا وقوله لأنه وقت كمال إلخ أي بخلاف الصلاة فإنها تفسد قبل وقتها لأنه وقت وجوب ، ثم إن معنى قول المصنف " وصح " لزم وأتى به دفعا لتوهم قطع الإحرام قبل زمانه ، أو مكانه لأنه منهي عنه كالصلاة بوقت نهي فاندفع ما يقال لا حاجة لقوله وصح للعلم به من الكراهة فتأمل . ( قوله : فلتحلله ) أي فمن وقت تحلله منه وقوله : بالفراغ إلخ تصوير للتحلل منه ولا مفهوم لقوله بحج ولو قال إلا لمحرم بنسك كان أولى إذ لا تنعقد عمرة على حج ولا على عمرة كما يأتي . ( قوله : الأصغر والأكبر ) أي وهما رمي جمرة العقبة وطواف الإفاضة . ( قوله : والأولى بعده ) لأن ظاهره أنه إذا أحرم بها بعد جمرة العقبة يوم النحر وبعد طواف الإفاضة وقبل رمي الرابع ، أو مضي قدره تكون صحيحة مع الكراهة مع أنها فاسدة كما مر . ( قوله : صح إحرامه بها ) أي مع الكراهة . ( قوله : حتى لو تحلل منها ) أي بالفراغ منها وقوله : لكن لا يفعل منها شيئا إلخ من جملة عملها الدخول للحرم بسببها فإذا دخله قبل الغروب لأجلها أعاده .




الخدمات العلمية