الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الغلول ) بضم الغين المعجمة أي الخيانة من الغنيمة قبل حوزها ، وليس منه أخذ قدر ما يستحق منها إذا كان الأمير جائرا لا يقسم قسمة شرعية فإنه يجوز إن أمن على نفسه ( وأدب ) الغال بالاجتهاد ( إن ظهر عليه ) لا إن جاء تائبا ولو بعد القسم وتفرق الجيش وتعذر الرد ، ويتصدق به عنهم بعد دفع خمسه للإمام ( وجاز ) ( أخذ محتاج ) من الغانمين ، ولو لم تبلغ حاجته حد الضرورة وسواء أذن له الإمام أم لا ما لم يمنع من ذلك [ ص: 180 ] ولم يكن الأخذ على وجه الغلول ( نعلا أو حزاما ) معتادا ( وإبرة وطعاما ) وغير ذلك ( وإن ) كان ( نعما ) يذبحها ، ويرد جلدها للغنيمة إن لم يحتج إليه ( وعلفا ) لدابته ( كثوب ) يلبسه ( وسلاح ) يقاتل به ( ودابة ) يركبها ليقاتل عليها أو يرجع بها لبلده أو يحمل عليها متاعه ( ليرد ) راجع لما بعد الكاف ولذا فصله بها أي أن جواز ما ذكر إذا أخذه بنية رده لا إن نوى التمليك أو لا نية له لكن الراجح كما هو ظاهر المدونة أن محل المنع إذا أخذ بنية التمليك فقط .

وأما ما قبل الكاف فالجواز مطلقا ( ورد ) وجوبا ( الفضل ) أي الفاضل عن حاجته من كل ما أخذه مما بعد الكاف ، وما قبلها ( إن كثر ) بأن كان قدر الدرهم لا إن كان يسيرا بأن لم يكن له ثمن أو أقل من درهم ( فإن تعذر ) رد ما أخذه لتفرق الجيش ( تصدق به ) كله بعد إخراج الخمس على المشهور . ( ومضت المبادلة ) بل وتجوز ابتداء ( بينهم ) أي بين المجاهدين فمن أخذ لحما أو عسلا أو قمحا أو شعيرا وأخذ غيره خلاف ذلك جاز لهما المبادلة ، ولو بتفاضل في طعام ربوي متحد الجنس قبل القسم لا بعده .

التالي السابق


( قوله : إلا إن جاء تائبا ) أي ، وأتى بما سرق فلا يؤدب ( قوله : ولو بعد القسم وتفرق الجيش ) فيه نظر بل الحق أنه إن جاء تائبا قبل القسم فلا يؤدب ، وإن جاء بعده وبعد تفرق الجيش فإنه يؤدب ، ويتصدق بما أخذه لقول ابن رشد كما في ح والتوضيح ، ومن تاب بعد القسم وافتراق الجيش أدب عند جميعهم قياسا على الشاهد يرجع بعد الحكم ; لأن افتراق الجيش كنفوذ الحكم بل هو أشد لقدرته على الغرم للمحكوم عليه ، وعجزه عن ذلك في الجيش . ا هـ . بن ( قوله : وجاز أخذ محتاج ) أي من المغنم قبل قسمه ( قوله : ما لم يمنع من ذلك ) أي من الأخذ فإن منعه الإمام من الأخذ فلا يجوز له أن يأخذ لكن الذي في المدونة ، ولو [ ص: 180 ] نهاهم الإمام ثم اضطروا إليه جاز لهم أخذه ، ولا عبرة بنهيه أبو الحسن ; لأن الإمام إذ ذاك عاص فلا يلتفت إليه . ا هـ . بن .

( قوله : ولم يكن الأخذ على وجه الغلول ) حال من قول المصنف محتاج أي جاز أخذ محتاج حيث كان أخذه على وجه الاحتياج لا إن كان أخذه على وجه الغلول والخيانة فلا يجوز له الأخذ ( قوله : معتادا ) أي وأما إذا كان مثل أحزمة الملوك فلا يجوز أخذه ( قوله : وإن كان ) أي المحتاج له نعما ( قوله : إن لم يحتج إليه ) أي وأما إن احتاج إليه ليجلس عليه أوليجعله قربة مثلا فلا يرده ( قوله : ليرد ) ليست اللام للتعليل ; لأنه العلة في أخذ ما ذكر الانتفاع ، ولا للصيرورة ; لأن عاقبة أخذ ما ذكر وثمرته المترتبة عليه الانتفاع وإنما هي بمعنى على كما في قوله تعالى { ويخرون للأذقان } فالمعنى ، وأخذ ما ذكر على أن يرده تأمل ( قوله : أي أن جواز ما ذكر ) أي أخذ ما ذكر من الثوب والسلاح والدابة ( قوله : مما بعد الكاف ، وما قبلها ) فيه نظر بل يتعين صرفه لما قبل الكاف فقط دون ما بعدها ; لأنه يرد بعينه كالدابة والثوب والسلاح ، ولا معنى للقلة والكثرة فيما يرد بعينه ، وهو ظاهر . ا هـ . بن . ( قوله : فإن تعذر رد ما أخذه ) أي سواء كان أخذه ليرده أم لا خلافا لما في عبق . ا هـ . بن ( قوله : بعد إخراج الخمس ) الذي في التوضيح أنه يتصدق بجميعه واختار شيخنا ما قاله الشارح ، وقوله : على المشهور متعلق بقوله تصدق به كله ، ومقابله قول ابن المواز أنه يتصدق منه حتى يبقى اليسير فإذا صار الباقي يسيرا جاز لذلك الآخذ أكله كما لو كان الباقي بعد الحاجة يسيرا من أول الأمر ( قوله : بل ويجوز ابتداء ) هذا هو الصواب كما عبر به ابن الحاجب خلافا لظاهر المؤلف من كراهته ابتداء ، ومضيه بعد الوقوع ، وعليه مشى تت ( قوله : ولو بتفاضل ) أي ، وكذا تمضي لهم المبادلة مع غيرهم وتجوز لكن إن سلمت من الربا في هذه ، وإلا منعت ; لأن الربا إنما هو مغتفر للغزاة فيما بينهم ابن عرفة المازري لو كان أحدهما من غير الجيش منع الربا قال شيخنا والظاهر جواز اجتماع ربا الفضل والنساء هنا ; لأنها ليست معاوضة حقيقية ثم إن محل جواز التفاضل فيما بين الغزاة إنما هو فيما استغني عنه من صنف واحتيج لغيره ، وأما إن لم يكن عند كل واحد إلا ما يحتاج إليه فلا يجوز فيه الربا بل يمنع وبهذا قيد الجواز أبو الحسن في شرح المدونة واعتمده الشيخ أحمد وعج ، وقيد به كلام المؤلف وتبعه عبق وظاهر كلام ابن عبد السلام عدم اعتماده ، وتبعه في التوضيح . ا هـ . بن ( قوله : قبل القسم ) متعلق بقوله جاز لهما المبادلة .




الخدمات العلمية