الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) طواف ( الإفاضة ) إذا فسد فإنه يرجع إليه ( إلا أن يتطوع بعده ) بطواف صحيح [ ص: 36 ] فيجزئه عن الفرض الفاسد ولا يرجع له نعم إن كان بمكة طولب بالإعادة كما قاله بعضهم وظاهره وجوب الإعادة ( ولا دم ) إذا تطوع بعده أي وكان غير ذاكر فساد الإفاضة ، وإلا لم يجزه كما استظهره بعضهم ( حلا ) حال من فاعل يرجع المقدر بعد الكاف أي يرجع حلالا من ممنوعات الإحرام ; لأن كلا منهما حصل له التحلل الأول برمي جمرة العقبة فيكمل ما عليه بإحرامه الأول ولا يجدد إحراما ; لأنه باق على إحرامه الأول فيما بقي عليه فالذي لم يصح طواف قدومه يعيد طواف الإفاضة ، ثم يسعى والذي لم يصح طواف إفاضته يعيد الإفاضة ولا يحلق واحد منهما لأنه حلق بمنى ولا يلبي حال رجوعه ; لأن التلبية قد انقضت .

( إلا من نساء وصيد ) فلا يكون حلا بالنسبة لهما بل يجتنبهما وجوبا ; لأنهما لا يحلان إلا بالتحلل الأكبر وهو طواف الإفاضة ، وهو لم يحصل ( وكره ) له ( الطيب ) لأنه حصل له التحلل الأصغر برمي جمرة العقبة ( واعتمر ) أي وأتى بعمرة بعد أن يكمل ما عليه مطلقا حصل منه وطء أم لا ( والأكثر ) من العلماء يعتمر ( إن ) كان قد ( وطئ ) ليأتي بطواف صحيح لا وطء قبله ، ويهدي إن لم يطأ فلا عمرة عليه .

اعلم أنه إن حصل منه وطء في المسألتين ، ثم رجع فكمل ما عليه فإنه يأتي بعمرة ويهدي وإن لم يحصل منه وطء فلا عمرة عليه هذا قول الأقل وقال الأكثر لا عمرة عليه مطلقا فاتفقوا عند عدم الوطء على عدم العمرة واختلفوا عند الوطء فكان على المصنف أن يقول ولا عمرة والأقل إن لم يطأ .

التالي السابق


( قوله : فيجزئه إلخ ) أي لأن هذا الطواف في الحقيقة هو طواف الإفاضة ولا يضر عدم ملاحظة أنه فرض ، وملاحظة أنه نفل ومحل إجزائه على ما استظهره بعضهم حيث كان غير ذاكر لفساد الإفاضة وذهب لبلده ولم يعلم بفساده إلا بعد ذهابه إليها . ( قوله : إن كان بمكة ) أي وعلم بفساده بعد طوافه التطوع . ( قوله : ولا دم ) راجع لقوله " ورجع إن لم يصح طواف عمرة حرما " ولقوله كطواف القدوم إن سعى بعده واقتصر ولقوله " والإفاضة " وأما قوله : حلا فهو راجع للأخيرين فقط - أعني رجوعه للقدوم والإفاضة - ، وظاهر صنيع الشارح أن قوله ولا دم راجع لقوله إلا أن يتطوع بعده أي فإن تطوع بعده أجزأه ولا دم عليه لما تركه من النية ; لأن هذا التطوع في الحقيقة هو طواف الإفاضة فلا يلزمه دم لملاحظة كونه نفلا وعدم ملاحظة فرضيته وكل من الحلين صحيح . ( قوله : وكان غير ذاكر إلخ ) الحاصل أن ظاهر كلام المصنف أنه إذا تطوع بعد طواف الإفاضة الفاسد بطواف صحيح فإنه يجزئه ولا دم عليه سواء وقع منه التطوع ناسيا لفساد الإفاضة ، أو متذكرا له وعليه حمله ح ، واستظهر بعضهم حمله على النسيان لقول الجزولي في باب " جمل من الفرائض " : لا خلاف فيما إذا طاف ملاحظا أن ذلك الطواف للوداع وهو ذاكر للإفاضة فإنه لا يجزئه ا هـ واعتمد بعضهم ذلك الاستظهار . ( قوله : لأن كلا منهما ) أي من أفسد طواف قدومه ومن أفسد طواف إفاضته . ( قوله : لأنه باق إلخ ) هذا إشارة لجواب اعتراض وارد على قول المصنف ورجع حلا وحاصله أن رجوعه حلا يلزمه عليه دخول مكة حلالا وهو من خصائصه صلى الله عليه وسلم والجواب أن هذا حل حكما ; لأنه تحلل التحلل الأصغر ولم يتحلل التحلل الأكبر ; لأن الإفاضة عليه فهو حلال حكما وغير حلال حقيقة بدليل منعه من النساء والصيد وكراهة الطيب . ( قوله : واعتمر ) يعني أن من لم يصح طواف قدومه أو إفاضته ورجع حلالا وأكمل ما عليه فإنه يطلب منه بعد ذلك الإتيان بعمرة سواء حصل منه وطء قبل إكماله أم لا وهو ظاهر كلام ابن الحاجب . ( قوله : والأكثر من العلماء ) فسرهم أبو الحسن بابن المسيب والقاسم بن محمد وعطاء وكان الأولى للمصنف عدم ذكرهم لإيهام أنهم من أهل المذهب انظر بن . ( قوله : فإنه يأتي بعمرة ) أي لأجل الخلل الواقع في الطواف بتقدم الوطء فلما كان ذلك الطواف الذي رجع له حصل فيه خلل بتقدم الوطء أمر أن يأتي بطواف صحيح لا وطء قبله وهو حاصل بالعمرة بخلاف ما إذا لم يطأ . ( قوله : هذا قول الأقل ) أي وهو مذهب المدونة ، وقوله وقال الأكثر أي من العلماء من خارج المذهب . ( قوله : واختلفوا عند الوطء ) أي فعند الأقل تلزمه العمرة وعند الأكثر لا تلزمه فقول المصنف واعتمر والأكثر : إن وطئ ظاهره أن الأقل قائل بوجوب العمرة مطلقا سواء وطئ أم لا وليس كذلك . ( قوله : فكان على المصنف أن يقول ولا عمرة إلخ ) أي أو يقول واعتمر إن وطئ والأكثر عدمها .




الخدمات العلمية