الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم ذكر النوع الثالث ، وهو الصيد بقوله ( وجرح ) شخص ( مسلم مميز ) ذكرا أو أنثى [ ص: 103 ] أي إدماؤه ، ولو بإذن ، ولو لم ينشق الجلد فإذا لم يحصل إدماء لم يؤكل ، ولو شق الجلد ، وأما صيد الكافر ولو كتابيا فلا يؤكل أي إن مات من جرحه أو أنفذ مقتله فلو جرحه من غير إنفاذ مقتل ثم أدرك فذكي أكل ، ولو بذكاة الكتابي ( مميز ) لا غيره من صبي ومجنون وسكران حيوانا ( وحشيا ، وإن ) كان ( تأنس ) ثم توحش ( عجز عنه ) صفة لوحشيا أي وحشيا معجوزا عنه لا إن قدر عليه ( إلا بعسر ) قال فيها من رمى صيدا فأثخنه حتى صار لا يقدر على الفرار ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل أي ; لأنه صار أسيرا مقدورا عليه ( لا نعم شرد ) بالجر أي لا جرح نعم شرد فحذف المعطوف ، وأبقى المضاف إليه على جره ، وأراد به ما قابل الوحشي فيشمل الإوز والحمام البيتي فلا يؤكل بالعقر ولو توحش عملا بالأصل فلو قال لا إنسي لكان أبين ( أو ) نعم ( تردى ) أي هلك ( بكوة ) بفتح الكاف وضمها أي طاقة يعني أن الإنسي إذا أشرف على الهلاك في حفرة ونحوها كالطاقة في الحائط وعجز عن إخراجه فلا يؤكل بالعقر ( بسلاح محدد ) أي بشيء له حد ، ولو حجرا له حد ، وعلم إصابته بحده لا خصوص الحديد لما يأتي من ندبه واحترز به عن نحو العصا والبندق أي البرام الذي يرمى بالقوس ، وأما الرصاص فيؤكل به ; لأنه أقوى من السلاح كذا اعتمده بعضهم ( وحيوان ) طيرا أو غيره ( علم ) بالفعل ، ولو كان من جنس ما لا يقبل التعليم كالنمر والمعلم هو الذي إذا أرسل أطاع [ ص: 104 ] وإذا زجر انزجر ( بإرسال ) له ( من يده ) مع نية وتسمية فلو كان مفلوتا فأرسله لم يؤكل ، ولو كان لا يذهب إلا بإرساله ، ويد خادمه كيده ، وكفت نية الآمر وتسميته وحده نظرا إلى أن يد غلامه كيده ولا يشترط حينئذ أن يكون الغلام مسلما فيما يظهر ( بلا ظهور ترك ) من الجارح قبل الوصول فإن اشتغل بشيء قبله ثم انطلق فقتله لم يؤكل إلا بذكاة ( ولو تعدد مصيده ) أي الجارح إن نوى الصائد الجميع فلو صاد شيئا لم ينوه الصائد لم يؤكل بصيده .

التالي السابق


( قوله : مسلم مميز ) المراد مسلم حال إرسال السهم أو الحيوان ، وكذا يقال في التمييز فإن تخلف واحد منهما بعد الإرسال ، وقبل الوصول فإنه لا يؤكل قياسا على قولهم في الجناية معصوما من حين الرمي للإصابة ، ويحتمل أن يقال يأكله ; لأن ما هنا أخف ألا ترى الخلاف هنا في اشتراط الإسلام من أصله فإن أشهب وابن وهب لا يشترطان [ ص: 103 ] الإسلام ( قوله : أي إدماؤه ، ولو بإذن ) والحال أنه مات من الجرح ( قوله : ولو شق الجلد إلخ ) ، وهذا إذا كان الصيد صحيحا ، وأما لو كان مريضا فشق الجلد من غير إدماء كاف ( قوله : عجز عنه ) أي عجز عن تحصيله في كل حال إلا في حال العسر والمشقة ( قوله : لا إن قدر عليه ) كما لو أمسك صيدا بحبالة مثلا ، وصار تحت يده ثم رماه آخر بسهم فقتله فلا يؤكل ( قوله : لأنه صار أسيرا مقدورا عليه ) أي وحينئذ فلا يؤكل إلا بذكاة كالشاة ، ويضمن هذا الذي رماه فقتله للأول قيمته مجروحا ( قوله : بالجر ) أي بمضاف مقدر بدليل كلامه بعد ، وذلك المضاف المقدر معطوف على جرح مسلم فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على جره ، ويمكن الرفع على أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع ارتفاعه ، وهو أظهر ( قوله : وأراد به ) أي بالنعم ( قوله : فيشمل الإوز ) أي والبقر والغنم والإبل المتأنسة والحاصل أن جميع الحيوانات المتأنسة إذا ندت فيها فإنها لا تؤكل بالعقر عملا بالأصل ، وهذا هو المشهور ، ومقابله ما لابن حبيب أنه إن ند غير البقر لم يؤكل بالعقر ، وإن ند البقر جاز أكله بالعقر ; لأن البقر لها أصل في التوحش ترجع إليه لشبهها ببقر الوحش انظر التوضيح .

( قوله : والحمام البيتي ) فيه نظر فقد تقدم في آخر باب الحج أن الحمام كله صيد وحينئذ إذا توحش أكل بالعقر بخلاف النعم فإنها لا تؤكل بالعقر ، ولو توحشت عملا بالأصل فيها ، وقد نقله المواق عن ابن حبيب . ا هـ . بن ورد عليه بأن ما ذكره ابن حبيب من أكل حمام البيوت بالعقر إذا توحشت قول ضعيف كما قال البدر القرافي ، ولا يلزم من كونه صيدا في الحج أن يكون صيدا هنا عملا بالأحوط في البابين فالحق مع الشارح تأمل والحاصل أن الحيوان إما وحشي أصالة أو إنسي أصالة ، وكل منهما ثلاثة أقسام فالأول إن كان توحشه دائما أو تأنس ثم توحش يؤكل بالجرح ، وإن تأنس واستمر على تأنسه كالنعامة في القرى لا يؤكل بالجرح بل بالذبح ، وإلى الأولين أشار المصنف بقوله وحشيا ، وإن تأنس ، وإلى الثالث أشار المصنف بقوله فيما يأتي ، وذبح غيره .

النوع الثاني الإنسي أصالة إن استمر دائما على تأنسه أو توحش ثم تأنس أو توحش واستمر على توحشه لا يؤكل بالجرح بل بالذبح ، وإلى هذا أشار المصنف بقوله لا نعم شرد فإن ظاهره ولو توحش دائما ( قوله : بكوة ) أي بسبب إدخال رأسه في كوة ، وقوله هلك أي أشرف على الردى والهلاك ، وقوله أو نعم تردى ، الأولى أو حيوان تردى أعم من كونه وحشيا أو غير وحشي ففي المواق عن ابن المواز وأصبغ ما اضطره الجارح لحفرة لا خروج منها أو انكسرت رجله فكنعم أي لا يؤكل إلا بالذكاة ، ولا يؤكل بالعقر ( قوله : في حفرة ) أي بسبب وقوعه في حفرة ، وقوله كالطاقة أي يدخل رأسه فيها ، وقوله فلا يؤكل بالعقر أي بالطعن بحربة مثلا في غير محل الذكاة ، ولا بد من ذكاته بالذبح أو النحر إن كان مما ينحر ، وما ذكر من عدم أكل المتردي بالعقر هو المشهور ، وقال ابن حبيب يؤكل الحيوان المتردي المعجوز عن ذكاته مطلقا بقرا أو غيره بالعقر صيانة للأموال ( قوله : بسلاح محدد ) متعلق بقوله وجرح مسلم ( قوله : عن نحو العصا والبندق ) أي ; لأنه لا يجرح ، وإنما يرض ، ويكسر ( قوله : فيؤكل به ) أي فيؤكل ما صيد به ( قوله : لأنه أقوى من السلاح ) أي في إنهار الدم والإجهاز بسرعة الذي شرعت الذكاة من أجله .

( قوله : كذا اعتمده بعضهم ) الحاصل أن الصيد ببندق الرصاص لم يوجد فيه نص للمتقدمين لحدوث الرمي به بحدوث البارود في وسط المائة الثامنة واختلف فيه المتأخرون فمنهم من قال بالمنع قياسا على بندق الطين ، ومنهم من قال بالجواز كأبي عبد الله القوري وابن غازي والشيخ المنجور وسيدي عبد الرحمن الفاسي والشيخ عبد القادر الفاسي [ ص: 104 ] لما فيه من الإنهار والإجهاز بسرعة الذي شرعت الذكاة لأجله ، وقياسه على بندق الطين فاسد لوجود الفارق ، وهو وجود الخرق والنفوذ في الرصاص تحقيقا ، وعدم ذلك في بندق الطين ، وإنما شأنه الرض والكسر ، وما كان هذا شأنه لا يستعمل ; لأنه من الوقذ المحرم بنص القرآن . ا هـ . بن ثم إن محل الاحتراز عن العصا وبندق الطين إذا لم يؤخذ الصيد حيا غير منفوذ مقتل ، ويذكى ، ويسمى ثانيا عند ذكاته ، وإلا أكل فإذا نفذ مقتل من مقاتله لم يؤكل عندنا ، ولو أدرك حيا وذكي .

وعند الحنفية ما أدرك حيا ، ولو منفوذ جميع المقاتل ، وذكي يؤكل ، ولا خلاف بيننا وبينهم في أن ما مات به لا يؤكل ، وفي أن ما لم ينفذ بسببه مقتل من مقاتله ، وأدرك حيا ، وذكي يؤكل فالأقسام ثلاثة ( قوله : وإذا زجر انزجر ) هذا الشرط غير معتبر في الباز ; لأنه لا ينزجر بل رجح بعضهم عدم اعتبار الانزجار مطلقا ; لأن الجارح لا يرجع بعد استيلائه . واعلم أن عصيان المعلم مرة لا يخرجه عن كونه معلما كما لا يكون معلما بإطاعته مرة بل المرجع في ذلك العرف ( قوله : بإرسال له من يده إلخ ) الباء للملابسة أي أو حيوان إن علم متلبس بإرسال من يده أي من يد المسلم المميز والمراد باليد حقيقتها ، ومثلها إرساله من حزامه أو من تحت قدمه لا القدرة عليه أو الملك فقط ثم إن ما مشى عليه المصنف من اشتراط الإرسال من يده ونحوها ، وأنه لو كان مفلوتا فأرسله لم يؤكل هو قول مالك الذي رجع إليه ، وكان يقول أو لا يؤكل ، ولو أرسله من غير يده وبه أخذ ابن القاسم والقولان في المدونة واختار غير واحد كاللخمي ما اختاره ابن القاسم قاله ابن ناجي ، وكان حق المصنف أن يذكره لقوته . ا هـ .

بن ( قوله : وكفت نية الآمر ) أي سيد الغلام ( قوله : ولا يشترط حينئذ أن يكون الغلام مسلما ) أي ; لأن الناوي المسمي هو سيده فالإرسال منه حكما ( قوله : بلا ظهور ترك ) الباء للملابسة أي ملتبس ذلك الحيوان بعدم ظهور الترك منه لما أرسل عليه بل لا بد أن يكون منبعثا من حين الإرسال إلى حين أخذه الصيد .

وحاصله أنه يشترط في جواز أكل الصيد إذا قتله الجارح أن يكون منبعثا من حين الإرسال إلى حين أخذ الصيد فلو ظهر فيه تشاغل بغير الصيد ثم انبعث ثانيا فلا يؤكل وظاهره كالمدونة أنه لا فرق بين قليل التشاغل ، وكثيره ورأي اللخمي أن قليل التشاغل لا يضر ( قوله : قبل الوصول ) أي للصيد ( قوله : بشيء قبله ) أي قبل الوصول إليه ( قوله : ولو تعدد مصيده ) مبالغة في قوله وحشيا أي هذا إذا كان المصيد الوحشي واحدا بل ، ولو تعدد ذلك المصيد أي إن نوى الجميع كذا قال في التوضيح ، وهذا قول ابن القاسم ، وقال ابن المواز لا يؤكل إلا الأول ، وهو الذي أشار له المصنف بلو قال عج فإن لم يكن له نية في واحد ، ولا في الجميع لم يؤكل شيء ، وقال جد عج يؤكل جميع ما جاء به في هذه أيضا فأدخلها في تصوير المصنف ، وهذا هو الصواب ، ومحل قوله الآتي أو قصد ما وجد عدم الرؤية والموضوع هنا تحققها فلو نوى واحد بعينه لم يؤكل إلا إياه ، وإن عرف ، وإن نوى واحدا لا بعينه لم يؤكل إلا الأول أيضا فالصور أربع ، ولو شك في الأول لم يأكل شيئا قاله اللخمي . ا هـ . بن ( قوله : فلو صاد شيئا لم ينوه ) أي بأن نوى معينا فأتى بغيره ( قوله : لم يؤكل بصيده ) أي ، وإنما يؤكل بذكاة




الخدمات العلمية