الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ ص: 166 ] ( ولو ) نذر المشي ( لصلاة ) فرضا أو نفلا ( وخرج ) إلى الحل ( من ) نذر المشي لمكة وهو ( بها ، وأتى بعمرة ) من طرف الحل ماشيا ( كمكة ) أي كناذر المشي لها ( أو ) إلى ( البيت ) أي الكعبة ( أو جزئه ) المتصل به كبابه وركنه وحطيمه وشاذروانه ( لا غير ) أي لا غير البيت وجزئه مما هو منفصل عنه كزمزم والمقام وقبة الشراب وأولى الصفا والمروة وعرفة ، ومحل عدم اللزوم ( إن لم ينو نسكا ) حجا أو عمرة فإن نواه لزمه المشي كالمتصل فإن كان بمكة خرج إلى الحل وأتى بعمرة كما مر ثم لزوم المشي في جميع ما مر ( من حيث نوى ) الناذر أو الحالف المشي منه إن كان له نية ( وإلا ) يكن له نية لزمه المشي من حيث ( حلف ) كوالله لأحجن ماشيا أو نذر كلله علي المشي إلى مكة ( أو ) يمشي من ( مثله ) أي مثل موضع حلفه في البعد ( إن حنث به ) أي بذلك المماثل ، وكذا إن لم يحنث به فإنه يجزئه المثل ومحل إجزاء المثل عند عدم النية إذا لم يجر عرف بالمشي من محل خاص وإلا تعين المشي منه فلو قال ، وإلا فمن حيث جرى العرف ، وإلا فمن حيث حلف أو نذر لطابق النقل ولم يحتج لقوله ( وتعين ) لابتداء مشيه إن لم تكن له نية ( محل اعتيد ) للحالفين من بلد أو نواحيها .

( وركب ) جوازا ( في ) إقامة ( المنهل ) أي محل النزول كان به ماء أو لا ( ولحاجة ) بغير المنهل قبل نزوله كحاجة نسيها فعاد إليها ( كطريق ) أي كما يجوز له مشي في طريق ( قربى اعتيدت ) للحالفين فقط أو لهم ولغيرهم فإن اعتيدت البعدى للحالفين والقربى لغيرهم تعينت البعدى ( و ) ركب ( بحرا اضطر له ) ككونه في طريقه ، ولا يمكنه الوصول لمكة إلا بركوبه ( لا اعتيد ) لغير الحالفين واعتيد للحالفين غيره فلا يركبه ( على الأرجح ) فإن اعتيد للحالفين فقط أو لهم ولغيرهم ركب ثم لزوم المشي منه ( لتمام ) طواف ( الإفاضة ) لمن قدم السعي ( وسعيها ) لمن لم يقدمه ويحتمل عود ضمير سعيها للعمرة ، وعلى كل يفوته الكلام على المسألة الأخرى [ ص: 167 ] ( ورجع ) وجوبا لمكة من بعض المشي فيمشي الأماكن التي ركبها ( وأهدى ) لتبعيض المشي ، وأخر هديه لعام رجوعه ليجمع بين الجابر النسكي والمالي فإن قدمه في عام مشيه الأول أجزأه ( إن ركب كثيرا ) في نفسه لا قليلا فيهدي فقط ( بحسب المسافة ) متعلق بكثيرا أي أن الكثرة والقلة باعتبار المسافة صعوبة وسهولة ومساحة .

التالي السابق


( قوله : ولو لصلاة ) أشار بلو لخلاف القاضي إسماعيل القائل إن من نذر المشي إلى المسجد الحرام للصلاة لا للنسك لا يلزمه المشي ، ويركب إن شاء ، وقد اعتمده ابن يونس ، ولم يحك له مقابلا ونقله المواق معترضا به كلام المؤلف ، وقال ابن بشير إنه المشهور وتبعه ابن الحاجب لكن لما تعقبه في التوضيح على ابن الحاجب بقوله ، وكلام صاحب الإكمال يقتضي أن قول إسماعيل القاضي مخالف للمذهب تبع هنا ما قاله في التوضيح قال طفى وما ذكره المصنف هو الصواب كما في الإكمال ونقل الأبي عن المازري أن المشهور أن من نذر الصلاة بأحد المساجد الثلاثة ماشيا إنما يلزمه المشي في المسجد الحرام ولقول ابن عرفة إن قول إسماعيل مخالف لظاهر الروايات ونص كلام الأبي عن المازري اختصت المساجد الثلاثة لعظمها على غيرها بأن من كان في غيرها ونذر الصلاة بأحدها أتاها فإن قال ماشيا فقال إسماعيل القاضي لم يلزمه ، ويأتي راكبا في الجميع ، وقال ابن وهب يلزمه المشي في الجميع والمشهور أنه يلزمه المشي في المسجد الحرام فقط . ا هـ . فقد تبين مما تقدم تشهير كل من القولين ، وأن على المؤلف أن يعبر بخلاف . ا هـ بن .

( قوله : وخرج من نذر المشي لمكة ) أي أو نذر المشي لمسجدها أو للبيت أو لجزئه المتصل ( قوله : كمكة ) أي كما أن من نذر المشي لمكة أو للمسجد أو للبيت أو لجزئه كلله علي المشي لباب البيت أو ركنه والحال أنه ليس بمكة يلزمه المشي لمكة في حج أو عمرة ( قوله : ومحل عدم اللزوم ) أي محل عدم لزوم المشي لمن نذر المشي للمنفصل عن البيت أو حلف به ، وحنث إذا لم ينو نسكا ( قوله : ومحل إجزاء المثل إلخ ) الأولى ، ومحل إجزاء المشي من محل الحلف والمثل عند عدم النية إلخ ( قوله : إذا لم يجر عرف بالمشي ) أي إن لم يجر عرف الحالفين بالمشي والناذرين له من محل خاص ( قوله : ولا يمكنه الوصول لمكة إلا بركوبه ) ظاهره أنه إذا أمكنه الوصول بالتحليق فإنه لا يجوز له الركوب ويتعين عليه التحليق والظاهر أن محل ذلك ما لم يحصل له مشقة فادحة بالتحليق ، وإلا جاز الركوب . ا هـ عدوي .

( قوله لا اعتيد على الأرجح ) حاصل كلام ابن يونس كما نقله طفى أن أبا بكر بن عبد الرحمن يجيز ركوب البحر المعتاد للحجاج مطلقا الحالفين وغيرهم وأن أبا محمد يمنع الركوب المعتاد وأن ابن يونس قيد الجواز بما إذا كان معتاد للحالفين اعتيد لغيرهم أيضا أم لا فإن اعتيد لغيرهم فقط لم يجز على هذا فعلى المصنف الدرك في نسبة إطلاق المنع لابن يونس وتعبيره عن ترجيحه بالاسم . ا هـ بن .

وأجاب شارحنا عن الاعتراض الأول بما قرر به كلام المصنف ( قوله : ثم لزوم المشي منه ) أي من المحل الذي نوى المشي منه أو من المعتاد للحالفين المشي منه أو الذي حلف فيه أو مثله ( قوله لتمام طواف الإفاضة ) أي وحينئذ فيركب في رجوعه من مكة إلى منى ، وفي رمي الجمار وأما إن أخر طواف الإفاضة بعد الرمي فإنه يمشي في حال الرمي .

( قوله : لمن لم يقدمه ) أي ، وعلى هذا الاحتمال يكون المصنف ساكتا عن غاية لزوم المشي في العمرة ( قوله : ويحتمل عود ضمير سعيها للعمرة ) أي المفهومة من الكلام ، وعلى هذا الاحتمال يكون المصنف ساكتا عن غاية المشي إذا أخر السعي عن الإفاضة في الحج ( قوله : وعلى كل ) أي من جعل الضمير [ ص: 167 ] للإفاضة أو للعمرة ( قوله : ورجع وجوبا ) ، ولا يلزم أن يكون الرجوع على الفور ، وقوله من بعض المشي أي بأن مشى بعض الطريق وركب بعضها ، وكان ما ركبه كثيرا في نفسه ( قوله : فيمشي الأماكن التي ركبها ) أي فقط ، ولو كانت جل الطريق على المشهور ، وقال ابن الماجشون أنه يرجع فيمشي جميع الطريق إن كان ركب الجل أو لا ، وقيل لا يرجع ولو ركب كثيرا ، ولا يجوز أن يمشي عدة أيام ركوبه إذ قد يركب أماكن ركوبه أو لا وحينئذ فلا معنى لرجوعه فلا بد من مشيه أماكن ركوبه ، وهذا إذا علم أماكن الركوب ، وإلا مشى الطريق كلها عام رجوعه .

( قوله : وأخر هديه ) أي ندبا ، وقوله بعد : أجزأه أي مع الكراهة ( قوله : الجابر النسكي ) أي ، وهو رجوعه للعمرة أو الحج والجابر المالي ، وهو الهدي ( قوله : إن ركب كثيرا ) أي في غير المناسك وسواء كان مختارا في ركوبه أو مضطرا ( قوله : في نفسه ) أي ، وليس المراد بكثيرا أكثر المسافة فقط لاقتضائه أن النصف من حيز اليسير ، وليس كذلك ( قوله : فيهدي فقط ) أي ، ولا يمشي ما ركبه ( قوله : أي أن الكثرة والقلة ) يعني في النفس منظور فيها لاعتبار المسافة سهولة وصعوبة ( قوله : ومساحة ) أي أو مساحة فقط فإذا اختلفت الطرق صعوبة وسهولة اعتبرت الكثرة فيهما مع المساحة ، وإن كانت كلها صعبة أو سهلة اعتبرت الكثرة في المساحة فقط ، وإذا علمت أن كثرة الركوب في نفسه منظور فيها لصعوبة المسافة وقلتها فقد يكون الركوب كثيرا في نفسه بالنظر لمسافة وقليلا بالنظر لمسافة أخرى كالركوب للعقبة بالنسبة للمصري والإفريقي .




الخدمات العلمية