الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما فرغ من بيان ما يلزم بالنذر شرع في بيان ما لا يلزم  منه بقوله ( ولا يلزم ) النذر ( في ) قوله ( مالي في الكعبة أو بابها ) حيث أراد صرفه في بنائها إن هدمت أو لا نية له فإن أراد كسوتها وطيبها ونحوهما لزمه ثلث ماله للحجبة يصرفونه فيها [ ص: 171 ] إن احتاجت ( أو ) ( كل ما أكتسبه ) في الكعبة أو بابها إن فعلت كذا  وفعله ( أو ) نذر ( هدي ) بلفظه أو بدنة بلفظها ( لغير مكة )  كقبره عليه الصلاة والسلام فلا يلزمه شيء فيهما لا بعثه ، ولا ذكاته بموضعه بل يمنع بعثه ولو قصد الفقراء الملازمين للقبر الشريف أو لقبر الولي ، لقول المدونة سوق الهدايا لغير مكة ضلال أي لما فيه من تغيير معالم الشريعة ، فإن عبر بغير لفظ هدي أو بدنة كلفظ بعير أو خروف فلا يبعثه بل يذبحه بموضعه ، وبعثه أو استصحابه من الضلال أيضا ، ولا يضر قصد زيارة ولي واستصحاب شيء من الحيوان معهم ليذبح هناك للتوسعة على أنفسهم وعلى فقراء المحل من غير نذر ولا تعيين فيما يظهر . وأما نذر جنس ما لا يهدى كالثوب والدراهم والطعام  فإن قصد به الفقراء الملازمين للمحل أو الخدمة وجب بعثه ، وإن أراد مجرد الثواب للنبي أو الولي أو لا نية له تصدق به في أي محل شاء ، ولا يلزم بعث شمع ، ولا زيت يوقد على القبر  ، وكذا لا يلزم بل يحرم نذر الذهب والفضة ونحوهما لتزيين باب أو تابوت ولي أو سقف مسجد   ; لأنه من ضياع المال فيما لا فائدة فيه دنيا وأخرى ، وهو ظاهر وجاز لربه أو لوارثه الرجوع فيه ; لأنه لم يخرج عن ملكه فيما يظهر فإن لم يعلم مالكه فحقه بيت المال ( أو ) نذر ( مال غير ) من عبده أو داره أو غيرهما   ( إن لم يرد ) بنذره إياه ( إن ملكه ) فإن أراد ذلك لزمه حين يملكه ; لأنه تعليق ( أو على نحر فلان )  فلا يلزمه شيء ( ولو ) كان فلان ( قريبا ) له كولده ( إن لم يلفظ ) في نذره أو تعليقه ( بالهدي ) فإن لفظ به كعلي هدي فلان أو نحره هديا فعليه هدي ( أو ) لم ( ينوه ) أي الهدي فإن نواه فكلفظه [ ص: 172 ] ( أو ) لم ( يذكر مقام إبراهيم ) أو ينوه أو يذكر مكانا من الأمكنة التي يذبح فيها كمنى أو موضع من مكة ، وأو في كلامه بمعنى الواو أي فلا يبريه إلا نفي الثلاثة ، واللزوم عند وجود أحدها ( والأحب حينئذ ) أي حين لفظ بالهدي أو نواه أو ذكر مقام إبراهيم أو نواه ( كنذر الهدي ) تشبيه لإفادة الحكم أي كما يستحب في نذر الهدي المطلق نحو لله علي هدي ( بدنة ثم ) عند فقدها ( بقرة ) فإن عجز فشاة واحدة والأحبية منصبة على الترتيب ، وإلا فالهدي في نفسه واجب ( كنذر الحفاء ) بالمد ، وهو المشي بلا نعل أي فلا يلزمه الحفاء في نذره المشي إلى مكة حفاء أو حبوا أو زحفا من كل ما فيه حرج ، ومزيد مشقة ; لأنه ليس بقربة بل يمشي منتعلا على العادة ويندب له الهدي ( أو ) نذر ( حمل فلان ) على عنقه لمكة ( إن نوى التعب ) لنفسه  فلا يلزمه ، وإنما يلزمه أن يحج هو ماشيا ، ويهدي ندبا ( وإلا ) ينو التعب بل نوى بحمله إحجاجه أو لا نية له ( ركب ) هو في حجه جوازا ( وحج به ) أي المحلوف بحمله معه إن رضي ، وإلا حج وحده ( بلا هدي ) عليه فيهما ( ولغا ) بالفتح كوهى فعل لازم يتعدى بالهمزة يقال ألغيت الشيء أبطلته أي وبطل قول الشخص لله علي أو ( علي المسير ) أو الإتيان أو الانطلاق ( والذهاب والركوب لمكة )  إلا أن ينوي إتيانها حاجا أو معتمرا فيلزم الإتيان ويركب إلا أن ينوي ماشيا فيلزم ، وإنما لغا ما ذكر دون المشي ; لأن العرف إنما جرى بلفظ المشي دون غيره ; ولأنه الوارد في السنة .

( و ) لغا ( مطلق الشيء ) من غير تقييد بمكة لفظا أو نية كأن يقول لله علي مشي أو إن كلمت فلانا فعلي مشي   ( و ) لغا قوله : علي ( مشي ) أي إتيان ( لمسجد ) غير الثلاثة   ( وإن لاعتكاف ) فيه ( إلا القريب جدا ) بأن يكون على ثلاثة أميال فدون ( فقولان ) في لزوم الإتيان له ماشيا للصلاة أو الاعتكاف وعدم الإتيان بالكلية بل يجب فعل ما نذره بموضعه كمن نذرهما بمسجد بعيد ( تحتملهما ) أي المدونة [ ص: 173 ] ( و ) لغا ( مشي ) أي إتيان ماشيا أو راكبا ( للمدينة ) المشرفة بسيد العالمين ( أو إيلياء ) بالمد وربما قصر ، ويقال أيلة كنخلة بيت المقدس   ( إن لم ينو ) أو ينذر ( صلاة ) أو صوما أو اعتكافا ( بمسجديهما أو يسمهما ) أي المسجدين فإن نوى ذلك أو سماهما لزمه الإتيان وحينئذ ( فيركب ) ، ولا يلزمه شيء ( وهل ) لزوم الإتيان في ذلك مطلقا ، و ( إن كان ) الناذر مقيما ( ببعضها ) فاضلا أو مفضولا ( أو ) يلزمه ( إلا لكونه ) مقيما ( بأفضل ) فلا يلزمه إتيان المفضول ( خلاف والمدينة ) المنورة بأنوار أفضل الخلق ( أفضل ) عندنا من مكة ، وهو قول أهل المدينة ( ثم مكة ) فبيت المقدس والأكثر على أن السماء أفضل من الأرض ، والله أعلم بحقيقة الحال .

التالي السابق



الخدمات العلمية