الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولو ) ارتد الزوج ( لدين زوجته ) الكتابية فيفسخ بطلقة بائنة ويحال بينهما وقال أصبغ لا يحال بينهما ، إذ سبب الحيلولة بين المسلمة وبين المرتد استيلاء الكافر على المسلمة ولا استيلاء هنا وعليه فلا تحرم إذا تاب ورجع للإسلام ( وفي ) ( لزوم ) الطلاق ( الثلاث لذمي طلقها ) أي طلق امرأته الكافرة ثلاثا ( وترافعا إلينا ) وعليه إن أسلم فلا بد من محلل بشروطه الشرعية حتى تحل له ( أو ) محل لزوم الثلاث ( إن كان صحيحا في الإسلام ) بأن توفرت فيه شروطه فإن كان غير صحيح فيه لم نلزمه شيئا أي نحكم بأنه لا يلزمه شيء ( أو ) نلزمه ( بالفراق مجملا ) من غير تعرض لطلاق ولا عدمه فتحل له بلا محلل إن أسلم ( أو لا ) نلزمه شيئا ولا نتعرض لهم ( تأويلات ) [ ص: 271 ] ( ومضى صداقهم الفاسد ) كخمر وخنزير ( أو الإسقاط ) له ( إن قبض ) الفاسد ( ودخل ) في الفاسد وفي الإسقاط قبل إسلامهما فيمضي ويقران إذا أسلما ; لأن الزوجة مكنت من نفسها وقبضت صداقها في الأول في وقت يجوز لها قبضه في زعمها ومكنت من نفسها في الثاني في وقت لا يجوز لها في زعمها ( وإلا ) بأن لم يقبض ولم يدخل أو لم يقبض ودخل أو لم يدخل وقبض أو لم يدخل في الثانية أي مسألة الإسقاط فقد دخل تحت وإلا أربع صور ثلاثة في الفاسد وواحدة في الإسقاط ( فكالتفويض ) في الأربع صور فيخير الزوج بين أن يدفع لها صداق المثل ويلزمها النكاح وبين أن لا يدفعه فتقع الفرقة بينهما بطلقة بائنة ولا شيء عليه إن لم ترض بما فرض وهذا فيما عدا الصورة الثانية وهي ما إذا دخل ولم تقبض فيلزمه مهر المثل لدخوله

والحاصل أنه يلزمه مهر المثل في صورة واحدة ويخير في الثلاث بين أن يفرض مهر المثل فيلزمها وبين أن لا يفرضه فتخير الزوجة في الفراق والرضا بما فرض فيلزم النكاح ( وهل ) محل مضي صداقهم الفاسد ( إن استحلوه ) أي استحلوا النكاح به في دينهم فإن لم يستحلوه لم يمض أو يمضي مطلقا فهذا راجع لقوله ومضي صداقهم الفاسد ولا يرجع لقوله أو الإسقاط ورجعه بعضهم للصورتين معا ( تأويلان واختار المسلم ) أي الذي أسلم على أكثر من أربع ( أربعا ) منهن [ ص: 272 ] إن أسلمن معه أو كن كتابيات تزوجهن في عقد أو عقود بنى بهن أو ببعضهن أو لا كانت الأربع هي الأواخر أو لا وإليه أشار بقوله ( وإن ) كن ( أواخر ) ، وإن شاء اختار أقل من أربع أو لم يختر شيئا منهن .

التالي السابق


( قوله : ولو ارتد الزوج ) أي المسلم لدين زوجته كما لو تزوج المسلم نصرانية أو يهودية ، ثم ارتد لدينها .

( قوله : وترافعا إلينا ) أي وأما إذا لم يترافعا إلينا فلا نتعرض لهم .

( قوله : بالفراق مجملا ) بأن يقال : ألزمناك بمفارقتها وأنك لا تقر بها ولا يقال ألزمناك طلقة أو ثلاثا .

( قوله : فتحل له بلا محلل إلخ ) فالطلاق في المعنى واحدة وقيل لا بد من محلل فهذا الفراق في المعنى طلاق ثلاث والحاصل أن القائلين يلزمهم الفراق مجملا اختلفوا هل تحل بلا محلل أو لا بد من محلل .

( قوله : ولا نتعرض لهم ) أي بل نطردهم ولا نسمع دعواهم .

( قوله : تأويلات ) أي أربع : الأول لابن شبلون والثاني لابن أبي زيد والثالث للقابسي والرابع لابن الكاتب واستظهره عياض فيظهر رجحانه واعلم أن محل هذا الخلاف إذا ترافعوا إلينا وقالوا لنا : احكموا بيننا بحكم [ ص: 271 ] الإسلام أو بحكم الإسلام في أهل الإسلام أو على أهل الإسلام فلا فرق بين " في " و " على " على الصواب أو بحكم الإسلام على أهل الكفر في أهل الكفر ، وأما لو قالوا : احكموا بيننا بحكم أهل الإسلام في طلاق الكفر أو بما يجب على الكافر عندكم حكم بعدم لزوم الطلاق ; لأنه إنما يصح طلاق المسلم ، ولو قالوا : احكموا بيننا بحكم الطلاق الواقع بين المسلمين حكم بالطلاق الثلاث ومنعه من مراجعتها إلا بعد زوج ، ولو قالوا : احكموا بيننا بما يجب في ديننا أو بما في التوراة فإننا نطردهم ولا نحكم بينهم ; لأنا لا ندري هل هو مما غير أم لا وعليه هل هو منسوخ فالقرآن أم لا ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : ومضى صداقهم الفاسد أو الإسقاط إن قبض ودخل ) اشتملت هذه الجملة على مسألتين : الأولى : إذا تزوج الكافر كافرة بصداق فاسد عندنا كخمر ونحوه وهذه تنقسم إلى أربعة أقسام : تارة تقبض الزوجة الصداق الفاسد ويدخل بها زوجها ، ثم يسلمان بعد ذلك فيقران على نكاحهما ; لأن الزوجة مكنت من نفسها وقبضت الصداق في وقت يجوز لها فيه قبضه في زعمها وتارة لا تقبض الصداق المذكور ولا يدخل بها زوجها حتى أسلما فالحكم فيه إن دفع الزوج لها صداق المثل لزمها النكاح ، وإن لم يدفع لها شيئا أصلا وقع الفراق بينهما بطلقة ولا شيء عليه ، وإن دفع لها أقل من صداق المثل لم يلزمها النكاح إلا أن ترضى به .

وتارة تقبض الصداق الفاسد ولا يدخل بها زوجها حتى أسلما فإن دفع لها صداق المثل لزمها النكاح ، وإن أبى وقع الفراق بينهما بطلقة واحدة ولا شيء عليه وهذا قول ابن القاسم في المدونة وسيأتي مقابله .

وتارة يدخل بها الزوج ولا تقبض ذلك الصداق الفاسد حتى أسلما فيقضى لها بصداق المثل للدخول .

المسألة الثانية : ما إذا تزوج كافر بكافرة على إسقاط وهذه على قسمين : الأول : أن يدخل بها قبل إسلامهما والحكم فيه أنهما يقران على نكاحهما ولا شيء لها . القسم الثاني : إذا أسلما قبل الدخول بها فإن فرض لها صداق المثل لزم النكاح ، وإن فرض لها أقل لم يلزمها إلا أن ترضى به ولا يلزمه أن يفرض صداق المثل كمن تزوج امرأة نكاح تفويض كما يأتي .

( قوله : وإلا فكالتفويض ) ما ذكره فيما إذا لم يدخل وقبض من أنه كالتفويض هو قول ابن القاسم فيها وقال غيره فيها إن قبضته مضى ولا شيء لها غيره بنى أو لم يبن ونقل في التوضيح عن ابن محرز أن قول الغير هو المشهور وأنه خير من قول ابن القاسم وصرح اللخمي بأنه المعروف من المذهب ومثله في أبي الحسن ا هـ بن .

( قوله : وهل محل مضي صداقهم الفاسد ) أي إذا قبضته ودخل بها ، ثم أسلما .

( قوله : لم يمض ) أي لم يثبت النكاح بعد الإسلام لأنهم إنما دخلوا على الزنا لا على النكاح .

( قوله : أو يمضي مطلقا ) أي وقول المدونة وهم يستحلون ذلك وصف طردي لا على سبيل الشرط .

( قوله : ورجعه بعضهم للصورتين ) كلام ابن عبد السلام صريح في الرجوع لهما ففي المدونة ، وإن نكح نصراني نصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر وشرطا ذلك وهو يستحلونه ، ثم أسلما بعد البناء ثبت النكاح ابن عبد السلام شرط في المدونة كونهما يستحلان النكاح بذلك فرأى بعضهم أن ذلك مقصود ورأي بعضهم أنه وصف طردي لم يذكره على سبيل الشرط ا هـ .

قلت رد الشرط للنكاح بالخمر والخنزير بعيد لشهرة تمولهم إياهما بل ظاهره رده للنكاح بغير مهر ا هـ بن .

( قوله : واختار المسلم ) أي سواء كان قبل إسلامه كتابيا أو مجوسيا وقوله : المسلم أي البالغ العاقل ، وأما غيره فيختاره له وليه فإن لم يكن له ولي اختار له الحكم سلطانا أو قاضيا وقوله : واختار المسلم أربعا ، أي ولو كان في حال اختياره مريضا أو محرما ، ولو كانت المختارة أمة وهو واجد لطول الحرة ; لأن الاختيار كرجعة وإذا تزوج الإنسان أمة [ ص: 272 ] بشرطه وطلقها طلاقا رجعيا كان له مراجعتها ، وإن كان واجدا لطول الحرة وقوله : أربعا أي وإن متن وفائدته الإرث وقوله : واختار المسلم أربعا أي وفارق الباقي والفرقة فسخ لا طلاق على المشهور .

( قوله : إن أسلمن معه ) أي وكن قبل الإسلام مجوسيات أو كتابيات وقوله : أو كن كتابيات أي وبقين على دينهن ولم يسلمن معه .

( قوله : وإن كن أواخر ) أي في العقد خلافا لأبي حنيفة القائل بتعين الأوائل دون الأواخر




الخدمات العلمية