الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وإن ) طالبت الزوجة التي لها الامتناع من الدخول حتى تقبضه زوجها للصداق الغير المعين ( لم يجده ) بأن ادعى العدم ولم تصدقه ولا أقام بينة على صدقه ولا مال له ظاهر ولم يغلب على الظن عسره ( أجل ) أي أجله الحاكم ( لإثبات عسرته ) أي لأجل إثباتها إن أعطى حميلا بالوجه وإلا حبس كسائر الديون وأشار إلى قدر مدة التأجيل بقوله ( ثلاثة أسابيع ) ستة فستة فستة فثلاثة ; لأن الأسواق تتعدد في غالب البلاد مرتين في كل ستة أيام فربما اتجر بسوقين فربح بقدر المهر فإن كان معينا فيأتي للمصنف ، وإن كان له مال ظاهر أخذ منه حالا فلو دخل بها فليس لها إلا المطالبة ولا يطلق عليه بإعساره به بعد البناء على المذهب ( ثم ) إذا ثبت عسره بالبينة أو صدقته ( تلوم ) له ( بالنظر ) وإذا لم يثبت عسره ففي الثلاثة أسابيع ولم تصدقه فقال الحطاب : الظاهر أنه يحبس إن جهل حاله [ ص: 300 ] ليستبرئ أمره ، ولو غلب على الظن عسره تلوم له ابتداء ، وأما ظاهر الملاء فيحبس إلى أن يأتي ببينة تشهد بعسره إلا أن يحصل لها ضرر بطول المدة فلها التطليق ( وعمل ) في التلوم عند الموثقين ( بسنة وشهر ) ستة أشهر فأربعة فشهرين فشهر وهذا ضعيف مقابل لقوله بالنظر ( وفي ) وجوب ( التلوم لمن لا يرجى ) يساره كمن يرجى ; لأن الغيب قد يكشف عن العجائب وهو تأويل الأكثر ( وصحح وعدمه ) فيطلق عليه ناجزا متى ثبت عسره ( تأويلان ثم ) بعد التلوم وظهور العجز ( طلق عليه ) بأن يطلق الحاكم أو توقعه هي ، ثم يحكم القولان ( ووجب ) عليه ( نصفه ) أي نصف الصداق وكلامه صريح في أنه قبل البناء وهو كذلك ، إذ لا طلاق على المعسر بالصداق بعد البناء كما تقدم ( لا ) إن طلق عليه أو فسخ قبل البناء ( في ) نظير ( عيب ) به أو بها فلا شيء عليه كما تقدم في فصل خيار الزوجين .

التالي السابق


( قوله : وإن طالبت إلخ ) تقدم أن الصداق إذا كان معينا وجب تعجيله ولا يجوز فيه التأخير على ما مر فيه من التفصيل ، وإن كان مضمونا وتنازعا في التبدئة كان لها الامتناع من تمكينه حتى تقبض ما حل من الصداق وذكر هنا ما إذا طالبته بالمضمون وقبل الدخول فادعى العدم فتارة تصدقه وتارة لا تصدقه وفي الحالة الثانية إما أن تقوم بينة على عدمه وإما أن لا تقوم بينة بذلك وحاصله أن الزوج إذا طالبته زوجته قبل الدخول عليها بحال الصداق فادعى العدم فإن الحاكم يؤجله لإثبات عسره ، ثم يتلوم له لعله يحصل له يسار ، ثم يطلق عليه بشروط خمسة : أن لا تصدقه في دعواه الإعسار ، وأن لا يقيم بينة على صدقه ، وأن لا يكون له مال ظاهر ، وأن لا يغلب على الظن عسره ، وأن يجري النفقة عليها من يوم دعائه للدخول .

فإن صدقته في دعواه الإعسار أو أقام بينة بالعسر فإنه يتلوم له من أول الأمر بالنظر ولا يؤجل لإثبات عسره ، وكذا إن كان ممن يغلب على الظن عسره كالبقال ، وإن كان له مال ظاهر أخذ منه حالا ، وإن لم يجر النفقة عليها من يوم دعائه للدخول فلها الفسخ لعدم النفقة مع عدم الصداق على الراجح .

( قوله : إن أعطى حميلا بالوجه ) أي خشية هروبه بحيث لا يعلم له محل ولا يكلف بحميل بالمال بناء على أنها لا تملك بالعقد شيئا .

( قوله : وإلا حبس ) أي لإثبات عسره .

( قوله : وأشار إلى قدر مدة التأجيل ) أي لإثبات عسره .

( قوله : ثلاثة أسابيع ) ابن عرفة هذا التحديد ليس بلازم بل هو استحسان لاتفاق قضاة قرطبة وغيرهم عليه وإنما هو موكول لاجتهاد الحاكم ا هـ بن .

( قوله : ستة فستة إلخ ) كذا في التوضيح والذي في المتيطي وابن عرفة ثمانية ، ثم ستة ، ثم أربعة ، ثم ثلاثة انظر ح وقوله : ستة إلخ أي ثم يسأل عقب كل ستة ، وكذا عقب الثلاثة هل وجد مالا أم لا وهل وجد بينة تشهد بعسره أم لا وهكذا .

( قوله : فإن كان معينا فيأتي للمصنف ) أي فإن كان الصداق معينا وهذا محترز قوله : وإن طالبت زوجها بالصداق الغير المعين وقوله : فيأتي للمصنف أي التكلم على بعضه وذلك لأن المعين إما غائب عن بلد العقد أو حاضر بها فالحاضر بها تقدم أنه يجب تعجيله ، وإن كان غائبا فسيأتي أنه إما أن يؤجل قبضه بأجل قريب أو بعيد .

( قوله : فلو دخل بها إلخ ) هذا محترز قوله إذا طالبته زوجته التي لها الامتناع من الدخول حتى تقبضه والحاصل أن محل كونه يؤجل لإثبات عسره إذا ادعى العدم بالشروط المذكورة إذا كان لم يدخل بها فإن دخل بها إلخ .

( قوله : ثم إذا ثبت عسره ) أي في أثناء الأسابيع الثلاثة أو بعد فراغها وقوله : تلوم له أي بعد إعذار القاضي في تلك البينة الشاهدة بالعسر فإن كان عندها مطعن أبدته وإلا حلف الزوج مع تلك البينة الاستظهار على تحقيق ما ادعاه .

( قوله : أو صدقته ) أي على ما ادعاه من العسر .

( قوله : تلوم له بالنظر ) أي لعله يحصل له يسار ويدفع ذلك الصداق [ ص: 300 ] المطالب به .

( قوله : ليستبرئ أمره ) أي فإذا حبس وتبين عسره تلوم له بالنظر ، ثم طلق عليه ، وإن تبين يسره أخذ منه الصداق .

( قوله : وأما ظاهر الملاء فيحبس ) أي حتى يدفع ، ولو طال حبسه .

( قوله : ستة أشهر ) أي ثم يسأل هل وجد يسارا أم لا فأربعة أي ثم يسأل كذلك فشهرين ، ثم يسأل كذلك .

( قوله : فشهرين فشهر ) أي ثم يسأل فإن أتى بشيء فالأمر ظاهر وإلا عجزه القاضي وطلق عليه واعلم أنه لا يحبس في مدة التلوم على كلا القولين ، لأن الموضوع أنه أثبت عدمه ، وقد قال الله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } فما في خش وعبق أنه يحبس في مدة التلوم على كلا القولين الأولى إسقاطه ، إذ لا معنى له قال بن ولم أر من ذكره ، وقد صرح أبو الحسن بأن دين الصداق كسائر الديون فيجب أن يسرح إذا ثبت عسره .

( قوله : وهذا ضعيف مقابل لقوله بالنظر إلخ ) فيه نظر ; لأن هذا عمل بعض القضاة وهذا لا ينافي أن الأجل موكول إلى اجتهاد الإمام كما تقدم والحاصل أن التلوم موكول قدره لاجتهاد الحاكم ، وقد اتفق لبعض القضاة أنه تلوم بسنة وشهر لكون اجتهاده أداه لذلك .

( قوله : لمن لا يرجى يساره ) أي لمن ثبت عسره والحال أنه لا يرجى يساره .

( قوله : وصحح ) أي وصححه المتيطي وعياض .

( قوله : وعدمه ) وهذا تأويل فضل على المدونة .

( قوله : ثم بعد التلوم وظهور العجز طلق عليه ) قال عبق : فإن حكم القاضي بالطلاق قبل التلوم فالظاهر أنه صحيح .

( قوله : ووجب عليه نصفه ) أي وجب على الزوج إذا طلق أو طلق عليه الحاكم لعسره بالصداق لزوجته نصف الصداق فيتبع به إذا أيسر لتقرره في ذمته بالعقد عنده .

( قوله : في أنه ) أي الطلاق قبل البناء إلخ .

( قوله : لا في عيب ) يعني إذا أرادت رد زوجها بعيب به من العيوب المتقدمة قبل البناء فطلق عليه لامتناعه منه أو رد الزوج زوجته أي فسخ نكاحها بعيب بها قبل البناء فإنه لا شيء لها على الزوج ، وقد مر هذا في باب الخيار عند قول المصنف ومع الرد قبل البناء فلا صداق ويمكن أن يكون ذكره هنا لإفادة بيان اختلاف هذا وهو الفسخ مع ما قبله وهو الطلاق ففي الطلاق لها نصف الصداق وفي الفسخ لا شيء لها فقد اختلف الطلاق والفسخ في الحكم ، وإن اشتركا في أن كلا منهما مغلوب عليه ( قوله : تقدم ) أي في قوله ومع الرد قبل البناء فلا صداق




الخدمات العلمية