الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كان في المناكرة وهي عدم رضا الزوج بما أوقعته المرأة تفصيل بين المخيرة والمملكة والمدخول بها وغيرها أشار له بقوله ( وناكر ) الزوج والنكر بالضم عدم الاعتراف ( مخيرة لم تدخل ومملكة مطلقا ) وكذا أجنبي جعلهما له فيما يظهر ( إن زادتا ) أي المخيرة والمملكة في الطلاق ( على الواحدة ) بأن يقول إنما أردت واحدة فقط بشروط خمسة أشار لها بقوله ( إن نواها ) أي الواحدة عند التفويض فإن لم ينوها عنده لزم ما أوقعته وكذا إن نوى اثنتين حال التفويض ناكر في الثالثة فلا مفهوم لواحدة ، فلو قال إن نوى دون ما أوقعته كان أشمل وأوضح ( وبادر ) للمناكرة وإلا سقط حقه ( وحلف ) أنه نوى الواحدة عند التفويض فإن نكل وقع ما أوقعته ولا ترد عليها اليمين وتعجل عليه اليمين وقت المناكرة ( إن دخل ) بالمملكة وأما المخيرة المدخول بها فلا نكرة فيها ( وإلا ) تكن مدخولا بها ( فعند ) إرادة الارتجاع يحلف لا قبله ، وهذا يجري في المخيرة والمملكة والمراد بالارتجاع هنا اللغوي وهو العقد فإن لم يرده فلا يمين لجواز أن لا يتزوجها . الشرط الرابع قوله ( ولم يكرر ) قوله ( أمرها بيدها ) فإن كرره فلا مناكرة فيما زادته ( إلا أن ينوي ) بتكريره ( التأكيد ) فله المناكرة [ ص: 409 ] ( كنسقها ) هي وقد ملكها قبل البناء فقالت طلقت نفسي أو اخترت نفسي وكررت اللفظ ولاء لزمه ما كررت إلا أن تنوي التأكيد وأما بعد البناء فلا يشترط نسقها بل الشرط وقوع الثانية أو الثالثة قبل انقضاء العدة . الشرط الخامس قوله ( ولم يشترط ) ما ذكر من تخيير أو تمليك ( في العقد ) فإن اشترط فيه فلا مناكرة له فيما زاد على الواحدة دخل بها أم لا ; فإن تطوع به بعد العقد فله المناكرة وإن احتمل فهو ما أشار إليه بقوله ( وفي حمله على الشرط إن طلق ) بأن كتب الموثق : أمرها بيدها إن تزوج عليها ولم يعلم هل وقع ذلك في العقد أو بعده ؟ فلا مناكرة له أو على الطوع فله المناكرة ( قولان وقبل ) من الزوج المملك أو المخير بيمين إذا أوقعت الزوجة أكثر من واحدة ( إرادة الواحدة بعد قوله لم أرد ) بالتمليك أو التخيير ( طلاقا ) أصلا فقيل له إذا لم ترده لزمك ما أوقعت فقال : أردت واحدة لاحتمال سهوه قاله ابن القاسم ( والأصح ) وهو قول أصبغ ( خلافه ) وهو عدم القبول ويلزمه ما قضت به ثم صرح بمفهوم قوله لم تدخل لما فيه من التفصيل فقال ( ولا نكرة له إن دخل في تخيير مطلق ) غير مقيد بطلقة أو طلقتين

التالي السابق


( قوله وناكر إلخ ) يعني أن الزوج إذا فوض الطلاق لزوجته على سبيل التخيير قبل الدخول بها فأوقعت أكثر من طلقة فله أن يناكرها فيما زاد عليها بأن يقول ما أردت إلا طلقة واحدة وأما بعد البناء فليس له مناكرتها كما يشير له بقوله الآتي ولا نكرة له إن دخل في تخيير مطلق وأما المملكة إذا أوقعت أكثر من طلقة فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة قبل الدخول وبعده ، فإن أوقعت المخيرة أو المملكة واحدة فلا نكرة له فيها بأن يقول ما أردت طلاقا فتلزمه تلك الواحدة قهرا عنه ولا عبرة بمناكرته ( قوله لم تدخل ) وكذا إن دخلت وكان التخيير بخلع ; لأنها تبين بواحدة فهي كغير المدخول بها وهذا أحد قولين في ح ا هـ بن .

( قوله وكذا أجنبي ) أي إن الأجنبي الذي فوض له طلاقها على سبيل التخيير أو التمليك مثل المرأة في تفصيلها من المناكرة في التمليك مطلقا وفي التخيير إن كان لم يدخل بها ( قوله إن زادتا على الواحدة ) هذا موضوع المناكرة التي هي عدم رضا الزوج بالزائد الذي أوقعته وليس هذا شرطا خلافا لبعضهم حيث جعل الشروط ستة وعد هذا منها ويفهم منه أنه لا مناكرة عند الاقتصار على الواحدة أما المملكة فظاهر وأما المخيرة فعدم المناكرة لبطلان ما لها من التخيير إذا لم تقض بالثلاث قال ابن عبد السلام وهو ظاهر ; لأن المخيرة التي لم تدخل بمنزلة المملكة قال ح ; لأنها تبين بالواحدة وهو المقصود ا هـ بن ( قوله إن نواها ) أي الواحدة التي يناكر في غيرها ( قوله ، فإن لم ينوها عنده ) أي بأن لم ينو عنده شيئا أو نوى بعده ( قوله وبادر ) هذا هو الشرط الثاني وقوله وحلف وهو الشرط الثالث ( قوله للمناكرة ) أي عند سماعه الزائد على الواحدة ( قوله وإلا سقط ) أي وإلا يبادر وأراد المناكرة فلا عبرة بمناكرته وسقط حقه ، ولو ادعى الجهل في ذلك لم يعذر بالجهل .

( قوله ولا ترد عليها اليمين ) أي ; لأنها يمين تهمة وهي لا ترد كما يأتي ( قوله إن دخل ) شرط في مقدر أي ومحل تعجيل يمينه وقت المناكرة إن كان دخل بالمرأة ليحكم له الآن بالرجعة وتثبت أحكام الرجعة من نفقة وغيرها ( قوله فعند الارتجاع ) أي فيحلف عند إرادة الارتجاع أي عند إرادة العقد عليها برضاها ( قوله فإن كرره ) أي بأن قال : أمرك بيدك أمرك بيدك مرتين أو ثلاثا ( قوله فيما زادته ) أي على الواحدة ويلزمه ما أوقعت من طلقتين أو ثلاث ( قوله بتكريره ) أي باللفظ الثاني والثالث المكرر وقوله التأكيد أي اللفظ الأول ثم إن قوله إلا أن ينوي التأكيد يتضمنه أول [ ص: 409 ] الشروط الخمسة ، ولذا قيل لا فرق بين التكرار وغيره حيث نوى الواحدة عند التفويض ولو قال المصنف بدل قوله ولو يكرر : أمرها بيدها إلخ ولو كرر : أمرها بيدها ويكون مبالغة في قوله إن نواها ويستغنى عن قوله إلا أن ينوي التأكيد لكان أخصر وأحسن ; لأن هذا هو المتوهم تأمل .

( قوله كنسقها ) هذه مسألة مستقلة بذاتها ليست من جملة الشروط بل مشبهة بما قبلها في الحكم أي كما إذا قالت المرأة طلقت نفسي وكررته مرتين أو ثلاثا نسقا فإنه يحمل على التأسيس إلا أن تدعي قبل الافتراق أنها نوت التأكيد فإنه يقبل ( قوله هي ) أبرز الضمير لئلا يتوهم أن الضمير في نسقها عائد على الطلقات المفهومة من قوله ولم يكرر أمرها وإن كان سياق المصنف في الضمائر المؤنثة العائدة عليها .

( قوله ولاء ) وأما إن لم يكن موالاة فلا يرتدف الثاني على الأول ; لأنه بائن ( قوله وأما بعد البناء ) أي وأما لو ملكها بعد البناء ( قوله فلا يشترط ) أي في التأسيس ( قوله نسقها ) أي بل إذا كررت طلقت نفسي مرتين أو ثلاثا سواء كان هناك موالاة أو لا فإنه يحمل على التأسيس ( قوله ، فإن اشترط فيه إلخ ) اعلم أن الواقع في العقد سواء كان مشترطا أو متبرعا به حكمهما واحد من جهة عدم المناكرة فالأولى للمصنف أن يقول ولم يكن ذلك في العقد قال في المدونة : وإن تبرع بهذا بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة قال أبو الحسن هذا يقتضي أن التبرع في أصل العقد كالشرط ونص عليه ابن الحاجب ا هـ وذلك ; لأن ما وقع في العقد من غير شروط له حكم المشترط ا هـ بن ( قوله وفي حمله ) أي ما ذكر من التخيير والتمليك ( قوله إن أطلق ) بالبناء للفاعل وفاعله ضمير يعود على الموثق المفهوم من المقام ( قوله هل وقع ذلك ) أي وادعى الزوج أنه بعد العقد وادعت الزوجة أو وليها أنه وقع في العقد .

( قوله فلا مناكرة له ) راجع لقول المصنف وفي حمله على الشرط ( قوله أو على الطوع ) أي التطوع بعده .

( قوله قولان ) الأول لمحمد بن عبد الله بن مغفل وابن فتحون والثاني لابن العطار وبهذا تعلم أن اللائق بالمصنف أن يعبر بتردد وقال بعض الموثقين ينبغي أن ينظر في ذلك لعرف الناس في تلك البلد فيكون القول لمدعيه ، فإن لم يكن عرف فالقول قول الزوج أنه على الطوع بعد العقد ( قوله لاحتمال سهوه ) علة لقول المصنف وقبل إرادة الواحدة ( قوله والأصح خلافه ) هذا ضعيف والمعتمد ما قبله الذي هو قول ابن القاسم قاله شيخنا العدوي ( قوله ولا نكرة له إن دخل إلخ ) أي على المشهور خلافا لابن الجهم القائل أنها إذا أوقعت الثلاث في التخيير المطلق كان له مناكرته فيما زاد على الواحدة لا فرق بين المدخول بها وغير المدخول بها ( قوله غير مقيد إلخ ) أي بأن قال لها : اختاري نفسك أو أمرك بيدك .

وحاصله أنه إذا قال لها ذلك والحال أنها مدخول بها فقالت طلقت نفسي ثلاثا فإنه لا يناكرها بأن يقول لها إنما أردت دون الثلاث ويلزمه ما أوقعت إذ ليس له مناكرة المدخول بها في التخيير المطلق العاري عن التقييد بطلقة أو طلقتين أو ثلاث ; لأن اختيارها فيه إنما يكون للثلاث ، فإن أوقعت في التخيير المطلق دون الثلاث بطل تخييرها كما يأتي




الخدمات العلمية