الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على النكاح ولواحقه من طلاق وفسخ وظهار ولعان شرع في الكلام على ما يتبع ذلك من عدة واستبراء وسكنى ونفقة وغيرها وبدأ بالكلام على العدة فقال [ درس ] ( باب ) تعتد حرة في بيان ذلك وأسبابها طلاق وموت وأنواعها ثلاثة قرء وأشهر ، وحمل وأصناف المعتدة معتادة وآيسة وصغيرة ومرتابة بغير سبب ، أو به من رضاع أو مرض أو استحاضة ، وبدأ المصنف بالسبب الأول ، وهو الطلاق وبالنوع الأول ، وهو القرء فقال ( تعتد حرة ، وإن كتابية ) طلقها مسلم أو أراد نكاحها من طلاق ذمي ( أطاقت الوطء ) وإن لم يمكن حملها على المشهور أو لم تبلغ تسع سنين على المعتمد لا إن لم تطقه فلا تخاطب بها وإن وطئها ( بخلوة ) زوج ( بالغ ) خلوة اهتداء أو زيارة ، ولو كان مريضا حيث كان مطيقا أو هي حائض أو نفساء أو صائمة لإمكان حمل المطيقة من وطئه لا صبي ، ولو قوي على الوطء إذا طلق عنه وليه لمصلحة ( غير مجبوب ) وأما المجبوب فلا عدة بخلوته ولا بوطئه أي علاجه وإنزاله على المعتمد ( أمكن شغلها ) فيها ، ولو قال وطؤها ( منه ) كان أوضح ( وإن نفياه ) أي الوطء بأن تصادقا على نفيه في الخلوة ; لأنها حق لله تعالى فلا تسقط بذلك ( وأخذا بإقرارهما ) بنفي الوطء فيما هو حق لهما فلا نفقة لهما ولا يتكمل لها الصداق ولا رجعة له فيها أي كل من أقر منهما أخذ بإقراره اجتماعا أو انفرادا [ ص: 469 ] ( لا ) تعتد ( بغيرها ) أي الخلوة ( إلا أن تقر ) هي فقط ( به ) أي بالوطء فتعتد فإن أقر به وكذبته ولم تعلم خلوة فلا عدة عليها وأخذ بإقراره فيتكمل عليه الصداق ويلزمه النفقة والسكنى ( أو ) إلا أن ( يظهر حمل ) بها مع إنكاره الوطء ولم تعلم خلوة ( ولم ينفه ) بلعان فإن طلقها اعتدت بوضعه وإن لاعن استبرأت بوضعه فلا بد من وضعه على كل حال لكن فيما إذا لم ينفه وطلق يسمى عدة ، ويترتب عليه أحكام العدة من توارث ورجعة ونفقة بخلاف ما إذا نفاه بلعان فإنه يسمى استبراء ، ولا يترتب عليه ما ذكر ( بثلاثة أقراء ) متعلق بتعتد ( أطهار ) بدل أو بيان من أقراء فالقرء بفتح القاف وتضم هو الطهر لا الحيض

التالي السابق


باب تعتد حرة ( قوله : في بيان ذلك ) أي ما ذكر من العدة وهي المدة التي جعلت دليلا على براءة الرحم لفسخ النكاح أو موت الزوج أو طلاقه وقوله على براءة الرحم يعني أن هذا أصل مشروعيتها ، وإن كانت قد تكون لبرية الرحم ( قوله وإن كتابية ) أي هذا إذا كانت مسلمة بل وإن كانت كتابية ( قوله : أو أراد إلخ ) الأوضح أو طلقها ذمي وأراد مسلم نكاحها ( قوله : على المشهور ) مقابله ما لابن لبابة من أن من لا يمكن حملها لصغر سواء كانت بنت سبع أو أقل أو أكثر لا عدة عليها ، ولا على الكبيرة التي لا يخشى حملها ( قوله : على المعتمد ) أي خلافا لمن قال : إن التي لا يمكن حملها إن لم تبلغ تسع سنين فلا عدة عليها ، وإن بلغتها فعليها العدة ( قوله : وإن وطئها ) أي ; لأن وطأها مجرد علاج ( قوله بخلوة ) الباء سببية أي بسبب خلوة بالغ يعني بزوجته تنزيلا للخلوة بها منزلة الوطء ; لأنها مظنته ، وإنما قيدنا بزوجته ; لأن خلوة البالغ بالأجنبية لا يوجب عليها عدة ولا استبراء قاله شيخنا ( قوله : أو هي حائض ) الأولى أو كانت حائضا أو نفساء عطفا على قوله كان مريضا .

( قوله : لإمكان حمل المطيقة من وطئه ) أي من وطء البالغ ، ولو كان مريضا وانظر هذا التعليل مع ما تقدم من أنه لا يشترط إمكان حملها على المشهور فلعله مشى على مقابل ما تقدم ، وأما الجواب بأن الإمكان المثبت هنا ، فالمراد به الإمكان العقلي ، وأما المنفي فيما تقدم ، فالمراد به العادي ففيه نظر ، فإن الإمكان العقلي في غير المطيقة أيضا فتأمل ( قوله : على المعتمد ) أي خلافا للقرافي القائل إن أنزل الخصي أو المجبوب اعتدت زوجتهما بسبب خلوتهما كما أنهما يلاعنان لنفي الحمل وإن لم ينزلا فلا لعان عليهما ، ولا عدة على زوجتيهما لا بخلوته ولا بعلاجه ( قوله : أمكن شغلها ) أي وطؤها ( قوله : فيها ) أي في الخلوة وقوله : ولو قال إلخ أي لما تقدم أنه لا يشترط إمكان حملها فالمتبادر من شغلها شغل رحمها بالحمل فيكون ماشيا على مقابل المشهور ، وإن أمكن الجواب عنه بأن المراد بشغلها وطؤها والحاصل أن التعبير بوطئها لا إيهام فيه بخلاف التعبير بشغلها فإنه يوهم المشي على مقابل المشهور واحترز بقوله أمكن شغلها منه عما إذا كان معها في الخلوة نساء متصفات بالعفة والعدالة أو واحدة كذلك وعن خلوة لحظة تقصر عن زمن الوطء فلا عدة عليها ، وأما لو كان معها في الخلوة نساء من شرار النساء وجبت العدة ; لأنها قد تمكن من نفسها بحضرتهن دون المتصفات بالعفة والعدالة فإنهن يمنعنها .

( قوله : وإن نفياه ) أي هذا إذا أقرا أو أحدهما بالوطء في تلك الخلوة بل ، وإن نفياه ( قوله : لأنها حق لله ) علة لمحذوف أي وإنما وجبت العدة بالخلوة المذكورة إذا تصادقا على نفي الوطء ; لأنها إلخ ( قوله : فلا نفقة لها ) أي في العدة ، ولا يتكمل لها الصداق هذان مرتبان على إقرارها بعدم الوطء ، وقوله : ولا رجعة له فيها هذا مرتب على إقرار الزوج بعدمه

[ ص: 469 ] قوله : لا تعتد بغيرها ) أي كقبلة أو ضمة ( قوله : إلا أن تقر به ) أي بوطء البالغ من غير أن يعلم له خلوة بها وكذبها في ذلك وأولى إذا صدقها فتعتد وليس هذا مكررا مع قوله : وأخذ بإقرارهما ; لأن هذا في غير الخلوة وذاك فيها ، والمقر به سابقا النفي ، والمقر به هنا الوطء ( قوله : ويلزمه النفقة والسكنى ) أي مدة العدة التي لا تلزمها ، والحق أن مؤاخذته إنما هو بتكميل الصداق إن كانت سفيهة أو رشيدة على أحد التأويلين ، وأما النفقة والكسوة والسكنى فلا يؤاخذ بها مطلقا إلا إذا صدقته كما تقدم في قوله : وللمصدقة النفقة أي والكسوة راجع ما تقدم انظر بن .

( قوله : أو يظهر حمل بها ) أي إذا لم تعلم الخلوة بينهما وظهر بها حمل ولم ينفه الزوج بلعان فإذا طلقها وجبت العدة عليها ( قوله : مع إنكاره الوطء ) الأولى مع إنكارها الوطء لأجل أن يقابل ما قبله ( قوله : اعتدت بوضعه ) أي ولها النفقة والسكنى في العدة ( قوله استبرأت بوضعه ) أي ولا عدة عليها من الزوج لعدم البناء بها فلا نفقة لها ولا سكنى عليه ( قوله : ولا يترتب عليه ما ذكر ) أي من التوارث والنفقة والسكنى ( قوله : بثلاثة أقراء ) أي سواء كان النكاح الذي اعتدت من طلاقه صحيحا أو فاسدا مختلفا في فساده ، أو مجمعا على فساده ، وكان يدرأ الحد ، كما لو تزوج أخته غير عالم بذلك ، وطلقها وإلا كان الواجب فيه الاستبراء كما لو نكح أخته نسبا أو رضاعا عالما بذلك ( قوله : أطهار ) اعلم أن كون الأقراء التي تعتد بها المرأة هي الأطهار مذهب الأئمة الثلاثة خلافا لأبي حنيفة وموافقيه من أن الأقراء هي الحيض واستدل الثلاثة بأن القرء مشترك بين الحيض والطهر ، ووجود التاء في قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } يدل على أن المعدود مذكر وهو الطهر وأخذ أبو حنيفة بأن الذي به براءة رحمها حقيقة إنما هو الحيض لا الطهر .

( قوله : بدل أو بيان من أقراء ) أي وليس نعتا له ; لأن الأصل في النعت التخصيص فيوهم أن الأقراء أطهار وغير أطهار ، وليس كذلك ، وكونه صفة كاشفة فهو خلاف الأصل في النعت ، ولا تصح قراءته بالإضافة لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه ، وهو ممنوع عند البصريين وأجازها الكوفيون إذا اختلف المتضايفان لفظا كما هنا ( قوله : فالقرء إلخ ) هذا مفرع على ما قبله من أن الأقراء هي الأطهار أي إنه يتفرع على ذلك أن القرء الذي هو مفرد الأقراء هو الطهر لا الحيض وقوله : بفتح القاف حال من المبتدأ وهو القرء .




الخدمات العلمية