الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قال الشافعي رحمه الله : أغرم السارق ما سرق . وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق : لا يجمع بين القطع والغرم ، فإن غرم فلا قطع ، وإن قطع فلا غرم . وقال مالك رحمه الله : يقطع بكل حال ، وأما الغرم فيلزمه إن كان غنيا ، ولا يلزمه إن كان فقيرا .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة الشافعي رحمه الله أن الآية دلت على أن السرقة توجب القطع ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " يوجب الضمان ، وقد اجتمع الأمران في هذه السرقة فوجب أن يجب القطع والضمان ، فلو ادعى مدع أن الجمع ممتنع كان ذلك معارضة ، وعليه الدليل ، على أنا نقول : إن حد الله لا يمنع حق العباد ، بدليل أنه يجتمع الجزاء والقيمة في الصيد المملوك ، وبدليل أنه لو كان المسروق باقيا وجب رده بالإجماع ، ويدل عليه أيضا أن المسروق كان باقيا على ملك المالك إلى وقت قطع يد السارق بالاتفاق ، فعند حصول القطع إما أن يحصل الملك فيه مقتصرا على وقت القطع ، أو مسندا إلى أول زمان السرقة ، والأول لا يقول به الخصم ، والثاني يقتضي أن يقال : إنه حدث الملك فيه من وقت القطع في الزمان الذي كان سابقا على ذلك الوقت ، وهذا يقتضي وقوع الفعل في الزمان الماضي . وهذا محال .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة أبي حنيفة رحمه الله أنه تعالى حكم بكون هذا القطع جزاء ، والجزاء هو الكافي ، فدل ذلك على أن هذا القطع كاف في جناية السرقة ، وإذا كان كافيا وجب أن لا يضم الغرم إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : لو كان الأمر كما قلتم لوجب أن لا يلزم رد المسروق عند كونه قائما ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية