كتاب الرجوع عن الشهادة
( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام
أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي رحمه الله إملاء : اعلم بأن أداء الشهادة بالحق مأمور به شرعا ) قال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأقيموا الشهادة لله } أمروا به للوجوب . وقال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } والنهي عن الإباء عند الدعاء أمر بالحضور للأداء . وقال الله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } واستحقاق الوعيد بترك الواجب {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81265 . وقال صلى الله عليه وسلم كاتم الشهادة بالحق كشاهد الزور } وشهادة الزور من الكبائر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81266قال صلى الله عليه وسلم في خطبته أيها الناس عدلت شهادة الزور بالأشراك بالله تعالى ، ثم تلا قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } } ، وفي هذا بيان كرامة المؤمن فقد جعل الله تعالى الشهادة عليه بما لا أصل له بمنزلة شهادة الكافر على ذاته بما لا أصل له من شريك ، أو صاحب ، أو ولد {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81267 . وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قالوا نعم قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال ألا وقول الزور فجعل يكررها حتى قلنا ليته يسكت } ، وفي رواية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81268سأله رجل عن الكبائر فقال صلى الله عليه وسلم الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس بغير حق وقول الزور } ، وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب رضي الله عنه {
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشاهد بالزور لا يرفع قدميه من مكانهما حتى تلعنه الملائكة في السموات والأرض } فيحق على كل مسلم الاجتناب عنها بجهده والتوبة عنها متى وقع فيها خطأ ، أو عمدا ، وذلك بأن يرجع عن الشهادة وليكن رجوعه في مجلس القضاء ; لأنه فسخ للشهادة التي أداها .
وقد اختصت الشهادة بمجلس القضاء فالرجوع عنها كذلك ، وهذا لأن التوبة بحسب الجريمة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81270قال صلى الله عليه وسلم السر بالسر والعلانية بالعلانية } . فإذا كانت جريمته في مجلس القضاء جهرا فلتكن توبته بالرجوع كذلك ولا يمنعه الاستحياء من الناس وخوف اللائمة من إظهار
nindex.php?page=treesubj&link=16095_16215_16218_16094الرجوع في مجلس القضاء فلأن يراقب الله تعالى خير له من
[ ص: 178 ] أن يراقب الناس ورجوعه صحيح مقبول في حقه ، وإن كان مردودا فيما يرجع إلى حق غيره حتى إذا رجع قبل القضاء لم يقض القاضي بشهادته لبطلانها بالرجوع . وإذا رجع بعد القضاء لم يبطل برجوعه حق المقضي له والأصل فيه الحديث الذي بدأ الكتاب به ورواه عن
الشعبي رحمه الله أن رجلين شهدا عند
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه على رجل بالسرقة فقطع يده ، ثم آتيا بعد ذلك بآخر فقال أوهمنا إنما السارق هذا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه لهما لا أصدقكما على هذا الآخر وأضمنكما دية يد الأول ، ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما ففيه دليل أن الرجوع عن الشهادة صحيح في حقه ، وأنه عند الرجوع ضامن ما استحق بشهادته ، وأنه غير مصدق في حق غيره للتناقض في كلامه والمناقض لا قول له في حق غيره ، ولكن التناقض لا يمنع إلزامه حكم كلامه ، ثم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله يستدل بالحديث في فصلين أحدهما في وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16091القصاص على الشهود إذا رجعوا بعد ما استوفى العقوبة بشهادتهم وزعموا أنهم تعمدوا ذلك في شهادتهم ، وفي أن
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16091اليدين يقطعان بيد واحدة فقد قال ، ولو أني أعلمكما فعلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما .
فإذا جاز قطع اليدين في يد واحدة بطريق الشهادة فبالمباشرة أولى ، ولكنا نقول هذا اللفظ منه على سبيل التهديد بدون التحقيق ، وقد تهدد الإمام بما لا يتحقق قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، ولو تقدمت في المتعة لرجمت والمتعة لا توجب الرجم بالاتفاق ، ثم لم يكن من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه هكذا كذبا ; لأنه علق بما لا طريق إليه وهو العلم بأنهما فعلا ذلك عمدا فلم يكن هذا كذبا بهذا التعليق ويحصل المقصود وهو الزجر وهو نظير قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون } ، ثم لم يكن هذا الكلام من
إبراهيم صلوات الله عليه كذبا ; لأنه علقه بما لا يكون ومعناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم والدليل عليه أن من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أن اليدين لا يقطعان بيد واحدة فقد روي ذلك عنه في الكتاب فهذا تبين أن مراده التهديد .
وذكر عن
حماد رحمه الله أنه كان يقول في
nindex.php?page=treesubj&link=16088الشاهدين إذا رجعا عن الشهادة بعد قضاء القاضي فإنه ينظر إلى حالهما يوم رجعا فإن كان حالهما أحسن منه يوم شهدا صدقهما القاضي في الرجوع ورد القضاء وأبطله ، وإن كان حالهما يوم رجعا مثل حالهما يوم شهدا دون ذلك لم يصدقهما القاضي ولم يقبل رجوعهما ولم يضمنهما شيئا وكان القضاء الأول ماضيا وبهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا ، ثم رجع فقال لا أبطل القضاء بقولهما لآخر ، وإن كان أعدل منهم يوم شهدا ، ولكن أضمنهما المال الذي شهدا به وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله .
وجه قوله الأول
[ ص: 179 ] أن كل واحد من الخبرين متردد بين الصدق والكذب فإنما يترجح جانب الصدق فيه بالعدالة وحسن حال المخبر . فإذا كانت عدالته عند الرجوع أظهر وحاله عند ذلك أحسن فرجحان جانب الصدق في هذين الخبرين بين والظاهر أن رجوعه توبة واستدراك لما كان منه من التفريط والقاضي يتبع الظاهر ; لأنه ما وراء ذلك غيب عنه . وإذا كان حاله عند الرجوع دون حاله عند الشهادة فرجحان جانب الكذب في الرجوع أبين والظاهر أنه بالرجوع قاصد إلى الإضرار بالمقضي له ، وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند أداء الشهادة فعند المساواة يترجح الأول بالسبق واتصال القضاء به فإن الشيء لا ينقضه ما هو مثله ، أو دونه وينقضه ما هو فوقه ولا ضمان عليه ; لأنه ما يتناول شيئا إنما أخبر بخبر ، وذلك لم يكن موجبا للإتلاف بدون القضاء والقاضي يختار في قضائه فذلك يمنع إضافة الإتلاف إلى الشهادة ; فلهذا لا يضمن الشاهد شيئا .
وجه قوله الآخر أن ظاهر العدالة ترجح جانب الصدق في الخبر ، ولكن لا ينعدم به معنى التناقض في الكلام وهو بالرجوع مناقض في كلامه فعدالته عند الرجوع لا تعدم التناقض وكما أن القاضي لا يقضي بالكلام المتناقض . فكذلك لا ينقض ما قضاه بالكلام المتناقض . فكذلك لا ينقض ما قضاه بالكلام المتناقض ، ثم جانب الصدق يعين في الشهادة وتأكد ذلك بقضاء القاضي في حق المقضي له فيه بتعين جانب الكذب في الرجوع . وإذا كان تهمة الكذب عند الرجوع لفسقه يمنع القاضي من إبطال القضاء فتعين الكذب فيه بدليل شرعي ; لأنه يمنعه من إبطال القضاء أولى فلو أبطل القضاء باعتبار هذا المعنى أدى إلى ما لا يتناهى ; لأنه يأتي بعد ذلك فيرجع عن هذا الرجوع فيجب إعادة القضاء الأول ، ولكن يجب الضمان عليه لإقراره عند الرجوع أنه أتلف المال على المشهود عليه بشهادته بغير حق
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16011_16089والتناقض لا يمنع ثبوت حكم إقراره على نفسه والإتلاف ، وإن كان يحصل بقضاء القاضي فسبب القضاء شهادة للشهود ، وإنما يحال بالحكم على أصل السبب ، وهذا ; لأن القاضي بمنزلة الملجأ من جهتهم فإن بعد ظهور عدالتهم يحق عليه القضاء شرعا ، ثم السبب إذا كان تعديا بمنزلة المباشرة في إيجاب ضمان المال ، وقد أقر بالتعدي في السبب الذي كان منهما وبهذا السبب سلط المشهود له على مال المشهود عليه ، ولو تسلطا عليه بإثبات اليد لأنفسهما ضمنا . فكذلك إذا سلطا الغير عليه ; لأن وجوب الضمان للحاجة إلى الجيران ودفع الضرر والخسران عن المتلف عليه ، وقد تحققت الحاجة إلى ذلك ولا يمكن إيجاب الضمان على القاضي ; لأنه غير متعد في القضاء بل هو مباشر لما فرض عليه ظاهرا فتعين الشهود لإيجاب الضمان عليهم .
كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ
( قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ
أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إمْلَاءً : اعْلَمْ بِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ مَأْمُورٌ بِهِ شَرْعًا ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } أُمِرُوا بِهِ لِلْوُجُوبِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } وَالنَّهْيُ عَنْ الْإِبَاءِ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَمْرٌ بِالْحُضُورِ لِلْأَدَاءِ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=283وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ } وَاسْتِحْقَاقُ الْوَعِيدِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81265 . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِمُ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ كَشَاهِدِ الزُّورِ } وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81266قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ أَيُّهَا النَّاسُ عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْأَشْرَاكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى { nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=30فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } } ، وَفِي هَذَا بَيَانُ كَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ عَلَى ذَاتِهِ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ ، أَوْ صَاحِبٍ ، أَوْ وَلَدٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81267 . وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالُوا نَعَمْ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا ، ثُمَّ قَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَجَعَلَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ يَسْكُتُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81268سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ } ، وَفِي حَدِيث
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّاهِدُ بِالزُّورِ لَا يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى تَلْعَنَهُ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } فَيَحِقُّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الِاجْتِنَابُ عَنْهَا بِجُهْدِهِ وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا مَتَى وَقَعَ فِيهَا خَطَأً ، أَوْ عَمْدًا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَرْجِعَ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلْيَكُنْ رُجُوعُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ ; لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي أَدَّاهَا .
وَقَدْ اخْتَصَّتْ الشَّهَادَةُ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَالرُّجُوعُ عَنْهَا كَذَلِكَ ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِحَسْبِ الْجَرِيمَةِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81270قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ } . فَإِذَا كَانَتْ جَرِيمَتُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ جَهْرًا فَلْتَكُنْ تَوْبَتُهُ بِالرُّجُوعِ كَذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُهُ الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ النَّاسِ وَخَوْفُ اللَّائِمَةِ مِنْ إظْهَارِ
nindex.php?page=treesubj&link=16095_16215_16218_16094الرُّجُوعِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَأَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ
[ ص: 178 ] أَنْ يُرَاقِبَ النَّاسَ وَرُجُوعُهُ صَحِيحٌ مَقْبُولٌ فِي حَقِّهِ ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ لِبُطْلَانِهَا بِالرُّجُوعِ . وَإِذَا رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ حَقُّ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ الْكِتَابَ بِهِ وَرَوَاهُ عَنْ
الشَّعْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ ، ثُمَّ آتَيَا بَعْدَ ذَلِكَ بِآخَرَ فَقَالَ أَوْهَمْنَا إنَّمَا السَّارِقُ هَذَا فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُمَا لَا أُصَدِّقُكُمَا عَلَى هَذَا الْآخَرِ وَأُضَمِّنُكُمَا دِيَةَ يَدِ الْأَوَّلِ ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُكُمَا فَعَلْتُمَا ذَلِكَ عَمْدًا قَطَعْت أَيْدِيَكُمَا فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِ ، وَأَنَّهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ ضَامِنٌ مَا اُسْتُحِقَّ بِشَهَادَتِهِ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِلتَّنَاقُضِ فِي كَلَامِهِ وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ، وَلَكِنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ إلْزَامَهُ حُكْمَ كَلَامِهِ ، ثُمَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَسْتَدِلُّ بِالْحَدِيثِ فِي فَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16091الْقِصَاصِ عَلَى الشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ مَا اسْتَوْفَى الْعُقُوبَةَ بِشَهَادَتِهِمْ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ ، وَفِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16091الْيَدَيْنِ يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ قَالَ ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُكُمَا فَعَلْتُمَا ذَلِكَ عَمْدًا قَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا .
فَإِذَا جَازَ قَطْعُ الْيَدَيْنِ فِي يَدٍ وَاحِدَةٍ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ فَبِالْمُبَاشَرَةِ أَوْلَى ، وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّهْدِيدِ بِدُونِ التَّحْقِيقِ ، وَقَدْ تَهَدَّدَ الْإِمَامُ بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَوْ تَقَدَّمْت فِي الْمُتْعَةِ لَرَجَمْت وَالْمُتْعَةُ لَا تُوجِبُ الرَّجْمَ بِالِاتِّفَاقِ ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا كَذِبًا ; لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَا لَا طَرِيقَ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ عَمْدًا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا كَذِبًا بِهَذَا التَّعْلِيقِ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الزَّجْرُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=63بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ } ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ
إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَذِبًا ; لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَا لَا يَكُونُ وَمَعْنَاهُ إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَقَدْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مِنْ مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْيَدَيْنِ لَا يُقْطَعَانِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ فَهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّهْدِيدُ .
وَذُكِرَ عَنْ
حَمَّادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=16088الشَّاهِدَيْنِ إذَا رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِمَا يَوْمَ رَجَعَا فَإِنْ كَانَ حَالُهُمَا أَحْسَنُ مِنْهُ يَوْمَ شَهِدَا صَدَّقَهُمَا الْقَاضِي فِي الرُّجُوعِ وَرَدَّ الْقَضَاءَ وَأَبْطَلَهُ ، وَإِنْ كَانَ حَالُهُمَا يَوْمَ رَجَعَا مِثْلَ حَالِهِمَا يَوْمَ شَهِدَا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبَلْ رُجُوعَهُمَا وَلَمْ يُضَمِّنْهُمَا شَيْئًا وَكَانَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ مَاضِيًا وَبِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ أَوَّلًا ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا أُبْطِلُ الْقَضَاءَ بِقَوْلِهِمَا لِآخَرَ ، وَإِنْ كَانَ أَعْدَلَ مِنْهُمْ يَوْمَ شَهِدَا ، وَلَكِنْ أُضَمِّنُهُمَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ
[ ص: 179 ] أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الصِّدْقِ فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَحُسْنِ حَالِ الْمُخْبِرِ . فَإِذَا كَانَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَظْهَرُ وَحَالُهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْسَنُ فَرُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ بَيِّنٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رُجُوعَهُ تَوْبَةٌ وَاسْتِدْرَاكٌ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ التَّفْرِيطِ وَالْقَاضِي يَتْبَعُ الظَّاهِرَ ; لِأَنَّهُ مَا وَرَاءُ ذَلِكَ غُيِّبَ عَنْهُ . وَإِذَا كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ دُونَ حَالِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ فَرُجْحَانُ جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الرُّجُوعِ أَبْيَنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالرُّجُوعِ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمَقْضِيِّ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِثْلَ حَالِهِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَعِنْدَ الْمُسَاوَاةِ يَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِالسَّبْقِ وَاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْقُضُهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ ، أَوْ دُونَهُ وَيَنْقُضُهُ مَا هُوَ فَوْقَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا إنَّمَا أَخْبَرَ بِخَبَرٍ ، وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْإِتْلَافِ بِدُونِ الْقَضَاءِ وَالْقَاضِي يَخْتَارُ فِي قَضَائِهِ فَذَلِكَ يَمْنَعُ إضَافَةَ الْإِتْلَافِ إلَى الشَّهَادَةِ ; فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ الشَّاهِدُ شَيْئًا .
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ تُرَجِّحُ جَانِبَ الصِّدْقِ فِي الْخَبَرِ ، وَلَكِنْ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى التَّنَاقُضِ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ بِالرُّجُوعِ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ فَعَدَالَتُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ لَا تَعْدَمُ التَّنَاقُضَ وَكَمَا أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْضِي بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ . فَكَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ مَا قَضَاهُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ . فَكَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ مَا قَضَاهُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ ، ثُمَّ جَانِبُ الصِّدْقِ يُعَيَّنُ فِي الشَّهَادَةِ وَتَأَكُّدُ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ فِيهِ بِتَعَيُّنِ جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الرُّجُوعِ . وَإِذَا كَانَ تُهْمَةُ الْكَذِبِ عِنْدَ الرُّجُوعِ لِفِسْقِهِ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ فَتَعَيُّنُ الْكَذِبِ فِيهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ; لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إبْطَالِ الْقَضَاءِ أَوْلَى فَلَوْ أَبْطَلَ الْقَضَاءَ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَدَّى إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ; لِأَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَنْ هَذَا الرُّجُوعِ فَيَجِبُ إعَادَةُ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ ، وَلَكِنْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَالَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ
nindex.php?page=treesubj&link=16088_16011_16089وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِتْلَافُ ، وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسَبَبُ الْقَضَاءِ شَهَادَةٌ لِلشُّهُودِ ، وَإِنَّمَا يُحَالُ بِالْحُكْمِ عَلَى أَصْلِ السَّبَبِ ، وَهَذَا ; لِأَنَّ الْقَاضِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَلْجَأِ مِنْ جِهَتِهِمْ فَإِنَّ بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ يَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ شَرْعًا ، ثُمَّ السَّبَبُ إذَا كَانَ تَعَدِّيًا بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ ضَمَانِ الْمَالِ ، وَقَدْ أَقَرَّ بِالتَّعَدِّي فِي السَّبَبِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمَا وَبِهَذَا السَّبَبِ سُلِّطَ الْمَشْهُودُ لَهُ عَلَى مَالِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ تَسَلَّطَا عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ لِأَنْفُسِهِمَا ضَمِنَا . فَكَذَلِكَ إذَا سَلَّطَا الْغَيْرَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْجِيرَانِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْخَسْرَانِ عَنْ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي الْقَضَاءِ بَلْ هُوَ مُبَاشِرٌ لِمَا فُرِضَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَتَعَيُّنُ الشُّهُودِ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِمْ .